ينهي عمرو عدلي فصله الممتع حول الطبقة الرأسمالية الكبيرة وثورة يناير بقوله:”ما احدثته يناير هو القضاء علي أي دور للفاعلين الراسماليين ؛لا في تحديد مستقبل السلطة السياسية، ولا حتي في صنع وتنفيذ السياسات الاقتصاديةالتي تمس مصالحهم ، وإنما يتم عملية دمجهم[الان] سياسيًا كشركاء صغار لسادة جدد يهيمنون علي الدولة والمجتمع،ويسعون لإحكام القبضة علي الاقتصاد كذلك”.
دعنا نعيد توصيف المشكل من منظور اخر ؛ وهو ان هذه الطبقة -ومن خلال خبرة نظام مبارك – لا يمكن ان تدعم أي تحول ديموقراطي لأسباب شرحها الفصل بالتفصيل ؛ وسنشير اليها فيما بعد. الا انه في نفس الوقت فإن نجاح أي مسار ديموقراطي يرتبط في جزء كبير منه بموقف هذه الطبقة ، لانهم بلغوا من التراكم الرأسمالي مواضع تجعلهم فاعلين اقتصاديين أساسيين قادرين علي تحريك عجلة الاقتصاد ، ومن ثم شعور قطاعات متسعة من المواطنين بمردود التغيير عليهم سلبا او ايجابا. ومن ثم فلم يتم اقتلاعهم من الساحة الاقتصادية رغم تغير ساكني القصر منذ ٢٠١١ حتي الان مرات عدة.
الطبقة الرأسمالية الكبيرة في مصر غير ديموقراطية ولا تدعم أي تغيير حقيقي في هذا الاتجاه،لأسباب عديدة- يشير اليها الفصل -أهمها:
١-انها طبقة محافظة بحكم الضرورة ،لان التغيير السياسي يتضمن عدم استقرار بما يرفع مخاطر ضياع اصولهم.
٢-كانت الرافعة السياسية لمشروعهم الاقتصادي هو التوريث ، وهذا الخيار كان ناشئًا عن مسار تطور مؤسسات النظام السياسي منذ يوليو ١٩٥٢. او بعبارة اخري كان ولا يزال رهانهم علي اختراق النظام السياسي من داخله ،وفي ذات أطره المؤسسيي، او التحالف معه ضمانًا للحفاظ علي مصالحهم.
٣-لم يكونوا قادرين علي التصدي لخصومهم البيروقراطيين.
٤-لم يكونوا علي مستوي التصدي لدور الدولة في المجتمع ،وعلاقة السلطة بإنتاج وتوزيع القيمة الاقتصادية في المجتمع.
٥-كان رهانهم علي ان يتم اعادة تعريف دور الدولة في غياب مجال سياسي حر او تنافسي في حدوده الدنيا ،أي اقتصاد منزوع السياسة. ومن ثم فان مشكلة هذا الخيار هو إضعاف فرص تعبئة وحشد وتحريك قواعد اجتماعيةواسعة لإحداث التغييرات المطلوبة في دور الدولة.
٦-قامت تصوراتهم للاصلاح الاقتصادي من الزوايا الفنية والإجرائية ،مع الإدارة الأمنية للمجالين السياسي والعام.
٧-طبيعة علاقاتهم بالأسواق الدولية بما زاد تأثرهم بأزمات المسار النيوليبرالي علي المستوي العالمي منذ ٢٠٠٨.
٨- تركز اثار النمو في شريحة صغيرة.
هذه بعض الأسباب التي أدت بيناير ان تستأصل أي دور سياسي مباشر او غير مباشر لرجال الاعمال الكبار في مصر،فقد عصفت يناير بمشروع الفاعلين الرأسماليين الذين بلغوا من النفوذ السياسي ما لا يبلغهم مثلهم منذ ستين عاما.
ولكن ان اردنا نعيد قراءة هذه الأسباب فنقول:
*لا اقتصاد ليبرالي منزوع السياسة الليبرالية ، ولا سياسة منزوعة الاقتصاد وفي القلب منه سياسات العدالة الاجتماعية؛أي السياسات التوزيعية.
*لا تغيير دون حشد وتعبئة اجتماعية واسعة حول المصالح.
*لا مراهنة علي اختراق جهاز الدولة لإحداث التغيرات المطلوبة ،لان قدراته علي ابتلاع أي تغيير عظيمة. ولكن اعادة الهيكلة والإصلاح المؤسسي هو السبيل ،ولا يغني ذلك عن ضرورة بناء تحالفات مع بعض مكوناته.
*ما يجمع قوي التغيير والطبقات الرأسمالية هو اعادة صياغة دور الدولة، ولكن اعادة الصياغة هذه يجب الا تقتصر علي الاقتصاد فقط ؛بل تمتد الي المجتمع والسياسة. ولا مساومة علي عدالة التوزيع.
*وتبقي نقطة اخيرة ؛ وهي انه لابد من دمج مصالح الطبقة الرأسمالية الكبيرة في المسار الانتقالي ،لانه بدون هذا الدمج فإننا بإزاء تهديد كبير للمسار الديموقراطي.
Leave a Comment