في السجن -عندما كان متاحًا -كنت اقدم برنامجًا علي نظارة الزنزانة الانفرادية بعنوان: “تخاريف”احاول ان اطرح فيه بعض الأفكار الجديدة التي تهز القناعات المستقرة عند قطاع من المسجونين الذين تنوعوا من محبس لآخر.
في احد المرات تحدثت عن اعادة تفكير الحركات والأحزاب الإسلامية في السياسة ،ومما قلته وقتها ان هناك محددات خمسة لإعادة التفكير :التصالح مع الدولة الوطنية مع اعادة تعريفها-الانتقال بسياسات الهوية الي الانحيازات الاجتماعية / الاقتصادية التي تعبر عن مصالح فئات اجتماعية محددة (استخدم الباء وليس عن في لفظة سياسات)- الفصل بين الدعوي والحزبي ؛وأنا استخدم الحزبي وليس السياسي-امتلاك مشروع لإدارة الدولة-تجاوز البعد الطائفي / التنظيمي نحو أفق وطني ارحب.
محددات خمسة تحتاج الي تفصيل ليس مجالها هنا، وإنما تم استدعاؤها ليتأكد بها عمق التحليل الذي انتهي اليه محمود هدهود في فصله الذي حمل عنوان :لا ثورية ولا اصلاحية ٠٠الايديولجية الإخوانية في اختيار[ات]الثورة، الذي نشر ضمن كتاب :ثورة يناير رؤية نقدية.
ينهي هدهود فصله بقوله:”كان المشروع الاسلامي في احد ابعاده مشروعا لإعادة تشكيل النخب الاقتصادية والسياسية للدولة [المصرية ] علي نحو يسمح بإختراقات من الطبقات الشعبية التي ظلت مستبعدة ومحجمة الطاقات ،لكن الجماعة لم تستطع ان تحشدها في مواجهة ثورية [ضد]تحالف قمم البيروقراطية ورأس المال الكبير. “.
يقدم الفصل من خلال التتبع التاريخي لمسار المشروع الإخواني برمته، بالإضافة الي تحليل اختياراتها في الثورة ،سردية من وجهة نظري قدرتها التفسيرية اعلي من بعض المقولات التي شاعت في بيان أسباب مواقف الإخوان من قبيل الترييف او السلفنة.
واليكم الأسباب :
١-الاغتراب الجذري الذي بلغ عند الإخوان ؛ليس فقط رفض الدولة الوطنية والسمو فوقها ، بل محاولة اعادة بناء الأمة المصرية نفسها علي أساس هوية وشرعية جديدة.
٢-غياب بناء تحالفات وطنية متسعة وليست ايديولوجيةضيقة(الإسلاميون)لتمرير الفترة الانتقالية. او فرض هيمنتها علي الجماهير من خلال تمثيل تلك الجماهير بدمج مطالبها في خطاب الجماعة.
٣-غلبة النظر التنظيمي ، فالتنظيم -عند الإخوان-هو اداة تحقيق مشروعها المقدس وقد تحول عندها الي أمة موازية.
٤-الموقف من الأقباط ؛فلم يستطع الإخوان ان يقدموا استراتيجية مختلفة عن استراتيجية الدولة المصريةالتي تقوم علي الطمأنة /الحماية ، بما يسمح بدمجهم في مشروع وطني إسلامي.
٥-عدم امتلاك خطة لبناء مؤسسات جديدة وموازية علي أساس وطني ، ولا إصلاح المؤسسات القائمة وفق بنية قانونية سليمة.
٦-اما علاقة الإخوان بالجيش بعد يناير فقد كانت- علي حد قول الباحث -علاقة غواية متبادلة ،فكلا الطرفين كان يحلم بترويض الآخر ، ويخشيان بعضهما البعض.
عانت الجماعة من الخلف بين خطابها عن الجيش ، وبين استراتيجيتها التي انتهجتها :فقد أرادوا تحييده بالرغم من تجاوزهم جميع الخطوط الحمراء ،وفي نفس الوقت وقفوا حائط صد ضد اضعافه من القوي الثورية.
٧- في مسألة الدعوي والحزبي ؛فإن حرص الجماعة علي القيام بجميع الرظائف التي تقوم بها الدولة كان تعبيرًا عن الاغتراب الجذري -وفق تعبير الباحث -وهو امر يتعلق برؤيتها لذاتها ورؤيتها للدولة الوطنيةالتي تتحرك ضمنها.
انا ادرك ان اختيارات الفاعلين الاجتماعيين والسياسين تتحدد في احد ابعادها بتفاعل واختيارات الفاعلين الآخرين ، وليس بالبعد الأيديولوجي وهو ما لم يستطع الكتاب ان يظهره ،بمعني انه لو قدر وتفاعلت القوي المدنية مع الإخوان بشكل مختلف في التحالف الديموقراطي لساعد ذلك علي نشوء كتلة تاريخية او تحالف وطني عريض استطاع ادارة الفترة الانتقالية بنجاح ،لكن الجميع غلب علي اختياراتهم الرهانات الخاطئة ؛ فبتنا هنا والآن.
Leave a Comment