من وجهة نظري ؛ يعد فصل الصديق العزيز علي الرجالAly El Raggal ؛الذي حمل عنوان: “الثورة الضعيفة: ملاحظات أولية حول المفهوم والممارسة والمآلات” أهم فصول الكتاب للأسباب التالية:

١-القراءة التاريخية ليناير ؛التي اتفق معها تماما -وهي اننا امام إعادة تشكل للتاريخ كله في المنطقة،نحن امام محطة تاريخية فاصلة :فالقديم قاد الي الانفجار ،ولم يعد قادرا علي تقديم استجابات لتحديات المجتمع والدولة. ولكن الجديد لم يتبلور بعد وهذه هي مهمتنا التاريخية كما اعتقد ، ولكن اللحظة ليس خواء كما يظن الكاتب ،بل تمتلأ بالكثير والكثير مما يصب في المستقبل ويشير هو اليه.

٢-مما اتفق معه أيضا ؛وقد كان مثار حديثي في السجن مع الزملاء مما اغضب البعض ،هو انتهاء السرديتين الكبريتين اللتين حكما المنطقة ومنها مصر خلال القرن العشرين :سردية دولة ما بعد الاستقلال /دولة يوليو(بالمناسبة فقد قلت لضابط الامن لوطني قبل خروجي من القسم ان اهم ما يفعله نظام ٧/٣ هو إنهاء ما تبقي من دولة يوليو)، اما السردية الثانية فهي سردية الإسلام السياسي /الإخوان. ولا يعني الانتهاء الاختفاء ،فما نسمعه هو ضجيج الماضي المرتحل.

لكن مشاريع الماضي المرتحل وكما يري الكاتب :”لم تكن مجرد صياغات وعبارات عابرة تحملها قوة السلاح ،انها شكل او مقترح للحياة،ولطبيعة المجتمع بشبكة علاقاته وهي خطاب وممارسة لتصورات وخيال سياسي واجتماعي واقتصادي ، وتصور معرفي للحياة والدولة ،تنبثق عنهما أعراف وتقاليد ومؤسسات ولغة وتصور للمجتمع ولأفراده ،تصور للذات والآخر يعبر عن نفسه في قوانين وتشريعات ودستور وعلاقات انتاج ”
انتهاء سرديتي دولة يوليو والإخوان يمثل فرصة للجديد ؛فقد انهكا بعضهما البعض ولكنه يضع الجديد امام التحدي الأكبر الذي يجب ان يعمل عليه؛ وهو الحوار حول المستقبل والتشبيك حوله.

٣-لقد كان الفصل موفقًا جدا في ادراك طبيعة يناير. يناير -كما أدركها-لها شقان :قيمي/ثقافي ، وآخر سياسي ،وهي ان نجحت في الأول خاصة في وسط فئات شابة مؤثرة ،إلا انها في الشق السياسي ما تزال معركتها مستمرة. فقد فشلت حتي الان في تفكيك مرتكزات القوة / السلطة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية / الثقافية وفي تشبيكاتها الإقليمية والدولية. وان نجحت في تكوين طيف واسع من الشباب يتفق علي ملامح وخطوط وقيم محددة طرحتها الثورة ،أهمها ؛كما يشير اليها الكاتب :الحرية ،احترام الآخر ،رفض الوصاية الذكورية والأبوية ،رفض الأمننة والعسكرة ،الميل الي توجهات اكثر يسارية في المسألة الاجتماعية ٠٠٠الخ

بعبارة اخري فإن مما لاحظته بعد سني السجن الثلاث والنصف ان هناك اعادة تشكل لعلاقة المصريين بالتيمات الكبري في حياتهم وهي :الدولة والوطن والدين والأسرة والذكر والأنثى والعالم ،ويتم ذلك عبر الممارسة مما يحتاج منا باحثي العلوم الاجتماعية رصد ما تعبر عن هذه الممارسات من قيم والحوار حول تأثيراتها المستقبلية.

٤- إن اهم ما أنجزته يناير انها أسقطت السلط كافة في النفوس ، ولم تستطع حتي الان ان تسقطها في الواقع ،لكن لماذا؟يبين الفصل بالتفصيل من خلال مفهوم “الثورة الضعيفة” حدود نموذج يناير التغييري.
هي ثورة ضعيفة لأنها:
-تبنت الاحتجاج ولم تسع الي تفكيك المنظومات التي بني عليها ما احتجت عليه.
-يرتبط بما سبق غياب السياسة وعداء شديد معها ؛أي الصراع المادي علي الموارد والتمثيل ،وهنا ببساطة انتفت قدرة الثورة علي إعادة صياغة وتشكيل علاقات القوة والثروة داخل المجتمع ،وإحداث إزاحات إجتماعية ،”وبدون إزاحات إجتماعية وتصور إقتصادي يستحيل لأي مجموعة أو شبكات أو أي أشكال تنظيمية من فرض هيمنة داخل الاجتماع وعلي جهاز الدولة “.

-الصراع ضد السلطة في ساحة الافتراضي ،ولم تكن قادرة علي نقله للمجالات الحقيقية ؛ أي داخل المؤسسات. بعبارة اخري فإن طبيعة الثورة غير قادرة علي احتلال الدولة والمؤسسات الصانعة للحكم ،ولكن ليس بسبب قيم الثورة التي تنادي بالديموقراطية التشاركية لا التمثيلية فقط؛ لكن ايضا لانها لا تعرف كيف تسير الدولة،فأجيال يناير الشابة لم تر الدولة ولم تعرفها.

-الاحتفاء بالتنوع والفشل في ادارة الاختلاف، مع الفشل في بناء شبكات تنظيمية مستمرة قادرة علي تقديم بدائل وفرضها.
-غياب سردية كبري بديلة لعلاقات السلطة والقوة، بما أدي للثورة للحرب علي عدو لم تحدد ملامحه.

Share: