نُشر في مصر 360 – يوليو 2021

بقلم: أسماء زيدان

صدر عن المعهد العربي للبحوث والسياسات “نواة” المؤلف الجماعي المعنون بـ”ماذا بعد الربيع العربي؟” قراءة في الحاضر وأسئلة للمستقبل. الذي يضم مجموعة من الدراسات المنتقاة من دول الربيع العربي.

يبدأ الباحث ودكتور الفلسفة مختار بنعبدلاوي في مقدمته عن الكتاب، بطرح سؤال مفصلي عن ماذا تبقى من الربيع العربي؟ ذلك بعد أن مرت عليه عشر سنوات وموجتان، حيث اختلفت المسارات والدلالات، فضلًا عن اللاعبين المؤثرين فيه.

يقر بنعبدلاوي بأن المشهد تخطى رومانسية مصطلح “الربيع” إلى ما يشبه النار والرماد، فتراوح ما بين دول خاضت حروبا أهلية مثل سوريا، واليمن. وأخرى عاشت ربيع متأخر كدول السودان، والعراق، ودول تراوح مكانها كالحالة المصرية.

كما أن اللاعبين اختلفت مواقعهم من المتفرج إلى مواقع قيادة إجهاض الثورات كما هو الحال مع الخليج باستثناء الكويت. وحينها تلاقت أهدافها مع الاحتلال الإسرائيلي. الذين وجدا أن الوضع معدي بالنسبة لدولهم. كما أن هذه الشعوب بدورها تمثل خطرًا وجوديًا على الكيان.

وينبه بن عبدلاوي من أن كبوة “الربيع” ليست نتيجة أخطاء ذاتية فقط، فمن ناحية مثل التقاعس الغربي المتعمد عن دعم تلك الحركات أحد العوامل. إلى جانب عامل التدخل العسكري المباشر كما هو حال البحرين وليبيا واليمن. وهناك عامل الاحتواء عبر مواءمات قبلية، أو عسكرية مثلما الحال الهوياتي في العراق مثلًا التي تحولت للصيغة اللبنانية الطائفية، ونزعت عنها الغرض التحرري.

غلاف الكتاب

الثورات العربية.. تفاعلات الراهن وسؤال المستقبل الديمقراطي

يقدم دكتور محرز دريسي طرحًا عامًا حول رؤيته للربيع العربي، انطلاقًا من كونه حدثًا في حاجة إلى التحليل والفهم. لا باعتباره تاريخًا كما يتصور العقل الغربي أو خريفًا كما يراه البعض. كذلك يضع النموذج التونسي في منتصفه للقياس عليه. معترفًا في الوقت نفسه باختلاف السياقات، والمسارات، من دولة لأخرى.

كما أن تشريح الأحداث يؤكد وجود “تغيير في وعي الناس” كأحد أبرز مكاسب هذه الثورات، والأكثر ديمومة. إلى جانب التخلص من أسطورتي الدكتاتورية كمرادف للاستقرار، وأن طبيعة الأزمة تتجاوز المعضلات الاجتماعية والاقتصادية إلى ماله علاقة بشرعية النظام الحاكم نفسه، لا الدولة.

ولكن الأغلب الأعم في نظر دريسي هو أن القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد، وأن تباينت المسارات، من تجربة لأخرى. حيث تكيف كل بلد مع الوضع وفقًا لمعاييره. ومنها مسارات هوياتية القبلية أو المذهبية، فاحتضار الماضي لم يؤسس للجديد، فما وحدته الاحتجاجات، أججته الانتخابات.

في الإطار نفسه تظل التجربة التونسية على قدر أزماتها نموذجًا يستحق المتابعة. إذ نجحت في استكمال 4 دورات انتخابية نشأت على أسسها مؤسسات البرلمان والحكومة. ورغم الإيجابيات تظل التحديات قائمة، والتي تؤشر على أن البناء المؤسساتي الديمقراطي لازال هشًا.

وينبه دريسي إلى أنه لاتزال الأسباب الكامنة وراء الثورات قائمة. وطالما أن أنظمة الاستبداد قائمة، فمن الطبيعي أن تثور الشعوب مرة أخرى، في إطار ما يمكن تسميته سيرورة الثورات العربية وتبعاتها المنتظرة.

الانتفاضات العربية والاستثمار في الاستقرار

تبنى الباحث والكاتب الصحفي هشام جعفر في الفصل الخاص به آلية الوصول إلى الاستقرار المطلوب الذي تطالب به كافة الأطراف. بينما هي جميعًا تطرح طريقًا آحادي للوصول إليه، وهو ما اعتبره سببًا في “الانهاك العربي”.

جعفر يلفت إلى أن الاستقرار يقع بين في مساحة تتقاطع فيها العوامل الداخلية مع الإقليمية والدولية. كما أنه بدون خلق وإيجاد المساحات المشتركة التي تتناغم فيها هذه المستويات الثلاثة لن تستقر المنطقة على المدى الطويل.

وحول حقبة الربيع العربي، يؤكد جعفر أننا بصدد إعادة تشكيل للتاريخ كله في المنطقة، بعد أن قاد القديم إلى الانفجار. كما لم يعد قادرًا على تقديم استجابات لتحديات المجتمع والدولة، ولكن الجديد لم يتبلور بعد.

يحاول البعض إلصاق تهمة عدم الاستقرار بالربيع وهو ما يرفضه جعفر في أطروحته. إذ يشير إلى ضرورة التمييز بين جوهر الثورات، والفشل في إدارة الفترات الانتقالية. إذ يقع عاتقه على كافة الأطراف من قوى تغيير إلى ثورة مضادة تترقب.

كما عملت الفواعل الدولية كلاعب في عملية الاستقرار، في ظل محاولات الولايات المتحدة التخلص من التزاماتها في المنطقة. كذلك دخول القوى الروسية، ومؤخرًا الصينية على الخط.

وبالرغم من إمكانية الاستفادة من المنافسة القائمة بينهما وبين أمريكا، ولكنهما يمتلكان العديد من أسباب تقويض الاستقرار. خاصة في ظل تعاملهما المستمر مع القوى المحلية، دون مطالبات بالشفافية. كذلك جانب موسكو الذي لا يفضل ثورات الربيع العربي، انطلاقًا من شخص بوتين نفسه وسمعته.

حسم جعفر الجدل حول صراع المحاور الإقليمية، فبغض النظر عن أي محور إقليمي تنتمي إليه أو تشجعه أو تصطف خلفه. فقد ثبت جميعها الفشل، كما يوجد ضرورة لتجاوزها، بعد أن أنتجت ثلاثة حروب أهلية، في ليبيا، وسوريا، واليمن.

يلخص جعفر ملامح الاستقرار الذي تصبو إليه المنطقة عبر عوامل تتعلق بتوافق الجديد مع بعضا من القديم، والتعبير عن ذلك من خلال وقوانين ودساتير حاكمة. في حين أن وجود فواعل إقليمية داعمة للاستبداد تأتي بنتائج عكسية.

الثورة الليبية

ليبيا.. مآلات ثورة بالمشاركة

يشرح دكتور علم الاجتماع مصطفى التير كيف بدأت الثورة الليبية بتظاهرة ضمت بضع مئات من الشباب، في مدينة تبعد عن العاصمة ألف كيلو متر. لكنها قادت في النهاية إلى تدخل عسكري دولي.

ميّز التدخل الخارجي بشقيه العسكري والأيديولوجي الثورة الليبية عن الثورتين التونسية والمصرية المساندة الجوية، التي لولاها ما حقق الهدف بإزاحة رأس النظام. لكن كان للأمر تداعياته السلبية الذي لازالت تعاني منه البلاد بحسب التير.

تلك التداعيات التي تمثلت في تغول المليشيات المسلحة، وسيطرتها نتيجة غياب قيادات واضحة للثورة وماتبع ذلك من هجمات مسلحة، وتهجير قسري. كذلك بروز خطاب الكراهية، الذي اعتمد على التكفير بشكل أساسي. فالثوار على اختلاف خلفياتهم جمعتهم الثورة على القذافي، وفرقتهم السياسة لاحقًا.

وفي وسط هذه الأجواء أصبحت الظروف مواتية لظهور جماعات التطرف، وتمدد نفوذ “داعش” في سرت. ورغم الخسارة اللاحقة، إلا أن فلوله لازالت موجودة. وعليه يؤكد الدكتور التير أن الحل لازال بعيدًا، ويكمن في سببين إنهاء التدخل الأجنبي، ووجود المليشيات.

حركة 20 فبراير ومآل الدولة المدنية في المغرب

من المغرب، يشير دكتور الفلسفة البوكيلي إلى وعي جديد تمخض عن عثرات الحراك العربي. لكنه مخاض تحفه مخاطر الطائفية والإثنية والانقلابات العسكرية وغيرها. وإن كان خطرها أقل بكثير من التخدير الإيديولوجي الديني، وتهديده لقيام دول مدنية ديمقراطية.

وحتى الآن، فإن حقيقة الحال تؤشر إلى أن الدولة المدنية مجرد شعار رفع ويرفع في الشوارع العربية. كما يظهر في الخطاب الموالي والمعارض بما في ذلك التيار الإسلامي الصاعد الذي سار إلى أدبياته. وتقديمه بطريقة خاصة تجعله نفسه مجرد استراتيجية مرحلية للقضاء على حلم الدولة المدنية.

وفي رأي البوكيلي ما دامت الثورة تمثل الحل الممكن والناجع القادر على تجاوز حالة التأخر الحضاري التي يعيشها المجتمع العربي. فإنه من الأفضل أن نبدأ من البداية ونقوم بثورة ثقافية شاملة تقوّض قوى التقليد والجمود وتحفز التغيير الجذري في كل المجالات.

ويستشهد الوكيلي بنظرية المفكر عبدالله العروي التي تقضي باتخاذ الماركسية منهجًا للمثقف العربي. إذ تمكن من استيعاب مفاهيم الليبرالية وفصلها عن التوظيف الإيديولوجي الذي اعتمدته بورجوازية القرن التاسع عشر الغربية في توجهها الاستعماري. كذلك تسمح بتجاوز مركزيتها، ولكن قبل كل هذا لابد من تطهيرها من الفهم الخاطئ لها في المجتمع العربي.

حركة 20 فبراير في المغرب

الربيع المغربي.. وخيار الإصلاح في ظل الاستقرار

نستمر في المغرب، إذ يستدعي كل من الباحثين دكتور بو العزاوي الفقير، ودكتور رشيد مغفاري، التجربة المغاربية، والتي تبدأ بعشرية ما قبل حراك 20 فبراير.

تبدأ تلك العشرية بملك شاب، أعلن بعد شهرين فقط من توليه الحكم وبمبادرة منه؛ توجه جديد في التعاطي مع الشأن العام. إذ أعلن أن الأساس سيكون إصلاحيًا محضًا قائم على تقديم صيغة جديدة للسلطة. كذلك يتساءل الكاتبان إذا كانت هذه الخطوات هي ما خففت من وقع صدمة الربيع على بلاده.

أما حركة 20 فبراير فلم ينكر الكاتبان ارتباطها بعدوى الإقليم، ومواقع التواصل الاجتماعي. إلا أن الاستثناء المغربي تمثل في الاستجابة السريعة لمطالب المحتجين بعكس أغلب دول الإقليم. ومع ذلك استمر الحراك، الذي وضع له الإسلاميون واليسار إطارًا تنظيميًا. حتى خفتت الحركة لاحقًا بعد أن تخلى عنها اليمين الإسلامي بشكل غامض.

اعتبر الكاتبان أن 2011 سنة مفصلية في تاريخ المغرب الراهن؛ فليس ما قبلها كما بعدها. إذ أسفرت عن تولي الحزب الإسلامي حكومتين. كما أن خطابات الملك أصبحت مشوبة بالنبرة النقدية الذاتية.

الربيع اليمني.. هل يزهر من جديد؟

تركز ورقة دكتور علم الاجتماع عادل الشرجبي على الحالة اليمنية، وكيف وصل المشهد إلى ثورة 2011. كذلك مآلات ذلك المشهد، عبر شرح طبيعة الصراع الذي نشب بين قوى الثورة بعضها تجاه البعض الآخر. وكيف استطاعت قوى الثورة المضادة حرف المسار بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني لتحولها إلى حرب شاملة. فضلًا عن وتحليل عوائق وفرص استكمال التحول الديمقراطي.

في الإطار نفسه عمل علي عبدالله صالح على استغلال تناقضات المجتمع اليمني القبلي لصالح تحويل مسار الثورة، من كونها حركة جماهيرية إلى حرب نخبوية قبلية. لاحقًا تم استغلال مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربي إلى مجرد تسوية وآلية لتقاسم السلطة بين النخب التقليدية داخل النظام وخارجه.

نجحت الثورة جزئيا في تحقيق بعض أهدافها كما يرى الشرجبي فنجحت في تغيير النخب الحاكمة ورغم عدم استكمال تلك الأهداف، إلا أنها لم تعلن فشلها. فالحرب الأهلية القائمة قد تشكل عاملًا مساعدًا من عوامل بناء الدولة.

الثورة اليمنية

ولكن يطرح الشرجبي تحليله الذي يقضي بأن تحقيق التعددية والاستقرار على المدى الطويل في اليمن. يتطلب أن تتحرك من منطقة تحقيق التوازن إلى التحول. لا سيما أن النظام السابق عزز الانقسامات التاريخية عبر استخدام المؤسسات الحكومية والسيطرة السياسية. وجعل الاختلافات القائمة أكثر إثارة للنزاع.

كما يتطلب الأمر إصلاحات مؤسسية طويلة الأمد، ومزيدًا من الاهتمام بخلق وفرض فصل وتوازن مؤسسي للسلطات، من خلال سلطة قضائية مستقلة. كذلك آلية رقابة فعالة ونظام فعال للمحاسبة.

ظاهرة الربيع العربي.. التجربة السورية

يشرح رئيس هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي السوري دكتور ماجد حبو الحالة السورية التي ذهبت ولم تعد. بمعنى أن كل الحلول من الأطراف الحالية، وخصوصاً النظام لا تشكل أية حلول جدية قابلة للحياة، وبالتالي فإن المطلوب هو تغيير أطراف الأزمة نفسهم.

وإلا فالاحتمال الأقرب حينها برأي حبو، هو تقسيم الوطن السوري، ليس كجغرافيًا وحدود دولية. فإمكانية وجود دول جديدة في المنطقة بعد سايكس بيكو هو أمر ليس له حظ في الحياة. لكن ربما يكون النموذج العراقي، بمعنى وطن بثلاثة.

أما ما العمل؟ فيؤكد حبو ضرورة إعادة الاعتبار لقيم المواطنة، والمجتمع المدني، وجميع أشكال النضال السلمي من اعتصامات ومظاهرات وإضرابات. في مواجهة السجون والمعتقلات، والقتل والموت العبثي والمجاني.

وبالعودة إلى المشهد اليوم يجب بذل كل الجهود للوصول لإجماعٍ سوريٍّ عبر مؤتمرٍ وطنيٍّ عام، يؤسس لهوية مجتمعية عامة، وشاملة لكل الفسيفساء السورية.

الثورة السورية

بيد أنه وبالنظر إلى التداخل الدولي والإقليمي المباشر والكبير، يجب علينا القبول بالتوافق الدولي وفق القرارات الدولية التي صدرت في هذا الشأن. بغض النظر عن الترجمات المختلفة الخاصة لكل فريق من أطراف الأزمة المباشرين.

كما يجب التركيز على الفصل بين السلطة والدولة، وما بين السلطة والمجتمع، على عكس ما تسعى إليه الأنظمة العربية. وبالتالي التركيز على المجتمع ومن خلفه الدولة في العمل الإصلاحي التنويري المطلوب كفعل نهضوي بعدما حطمت الأنظمة هذه الكيانات.

العراق والربيع العربي.. عناصر التشابه والاختلاف

يتحدث الكاتب والمحلل السياسي الدكتور عباس الياسري في الفصل الخاص بالعراق، التي عاشت الربيع العربي في موجتها الثانية في رأي البعض. بينما يرى هو أن الاحتجاجات العراقية تدخل في بند إصلاح العملية السياسية ككل ونظام المحاصصة على رأسها. بعيدًا عن شكل الكلاسيكي للمطالبات برحيل الأنظمة في الدول العربية الأخرى.

ويقسم الياسري الاحتجاجات والتظاهرات التي حدثت في العراق بعد 2003 إلى مراحل. ومنها الاحتجاجات التي تزامنت مع اندلاع الربيع العربي وكانت بداياتها تحشيد عاطفي ضد النظام السياسي الجديد. بالإضافة إلى نظام المحاصصة الذي أنتج الكثير من الأخطاء.

لاحقًا جاءت الاحتجاجات في أعقاب تحرير المدن العراقية من جماعات الإرهاب، خاصة في آواخر عام 2019. حيث أجمعت النخب الشبابية على ضرورة إصلاح النظام وليس إسقاطه. وفقًا للياسري، وهو ما يؤكد في رأيه نظريته عن خروج التظاهرات العراقية عن وصف الربيع العربي.

بينما تعددت أسباب تلك الاحتجاجات ما بين اقتصادية إلى اجتماعية وأخرى سياسية، تخص العجز الحكومي عن تحقيق برامجه التنموية من ناحية. ومحاربة الفساد وهدر المال العام من جهة أخرى. كذلك القدرة على مواجهة مأزق المحاصصة الطائفية.

Share: