نُشر في مصر 360 – ديسمبر 2021
تمثل القمة من أجل الديمقراطية التي دعت إليها الولايات المتحدة وعقدت يومي 9 و10 ديسمبر الحالي فرصة للتأمل في مسارات السياسة العالمية تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي.
اقرأ أيضًا: لماذا يهتم الغرب بديموقراطيتنا؟ هوامش على مقال عبدالعظيم حماد
في تقويم قمة بايدن من منظور دعاة حقوق الإنسان والديموقراطية في منطقتنا يمكن أن نشير إلي النقاط الخمس التالية:
أولا: غياب تام للعرب -حكومات ومجتمع مدني -عن القمة، فباستثناء حكومة العراق ومحمد زارع -مركز القاهرة لحقوق الإنسان- عن المجتمع المدني لم يحضر أحد غيرهما بما يمكن معه القول إن البيروقراطية الأمريكية بتنوعها الكبير لم تعد ترى المنطقة إلا من منظور تقليل ومنع الاضطرابات أن تنتقل تداعياتها إلى مناطق أخرى من العالم وخاصة أوروبا حليفها الاستراتيجي، وإذا قدر واندلعت كيف يمكن إدارتها بما يمنع تصاعدها؟.
جاءت دعوة العراق للتغلب على حساسية حضور اسرائيل بمفردها من المنطقة، وفي ظل تراجع المسار الديموقراطي في تونس بعد انقلاب قيس سعيد -الرئيس التونسي- يوليو الماضي.
إلا أن الملفت هو تجاهل هذه البيروقراطية لتطلعات الجماهير العربية للحرية والعدالة التي أخذت شكل انتفاضات الربيع العربي.
التي استمرت على مدار العقد الماضي، وقد تمثل ذلك التجاهل في تغييب تام للمجتمع المدني العربي الذي لايزال يموج بالفعاليات الكثيرة المنادية بالديموقراطية وحقوق الإنسان والتي من المتوقع استمرارها، وقد دفع هذا التجاهل أحد أهم العاملين في المجال الحقوقي المصري على مدار عقدين إلى تقويم الجهود الدولية لدعم مسألة الديموقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة.
بقوله: “لكنها توقفت [يقصد هذه الجهود] عند حدود كونها مبادرات إعلانية لم تعكس أي تغير نوعي في الإرادة السياسية لهذه الحكومات لإعطاء أولوية للأجندة الحقوقية في التعامل مع حكومات المنطقة.”
وهنا يصير السؤال واجبا: هل يمكن تقويم نتائج القمة من منظور الحضور والغياب فقط، أم يجب أن نتابع عناصر الاستمرارية والتغير في الموقف الدولي من المسألة الديموقراطية؟
وهنا يمكن أن نشير إلى ما يلي:
ثانيا: معضلة المصالح والقيم
لايزال الموقف الأمريكي من الديمقراطية حبيس المعضلة الأساسية التي تحكم حركته على المستوى الدولي وهي التوازن بين الأمن/المصالح وبين القيم.
يشمل مزيج المدعوين: الديمقراطيات الليبرالية والديمقراطيات الأضعف والعديد من الدول ذات الخصائص الاستبدادية (مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وباكستان)، وبدلاً من قصر المشاركة على مجموعة أساسية من الديمقراطيات الملتزمة، اختار فريق بايدن نهج الخيمة الكبيرة (١١١ دولة مدعوة) . تصنف غالبية المدعوين -سبعة وسبعين دولة – على أنهم “أحرار” أو ديمقراطيون بالكامل، وفقًا لتقرير منظمة فريدوم هاوس لعام 2021، في حين يتم تصنيف واحد وثلاثين مدعوًا آخر على أنهم “أحرار جزئيًا”. أخيرًا، تقع ثلاثة بلدان في المعسكر “غير الحر”.
تقف اعتبارات عدة وراء الدعوات بهذا الشكل: أولها الحساسية الإقليمية كما قدمنا في دعوة العراق حتى لا تكون إسرائيل بمفردها من المنطقة، وثانيا وهو الأهم، كانت المصالح الإستراتيجية الأوسع للولايات المتحدة مهمة أيضًا، فباكستان والفلبين وأوكرانيا كلها ديمقراطيات معيبة مع تفشي الفساد وانتهاكات سيادة القانون. ومع ذلك، فهم شركاء مهمون للولايات المتحدة، سواء لموازنة النفوذ الصيني (الفلبين)، أو مقاومة التعدي الروسي (أوكرانيا)، أو المساعدة في مكافحة الإرهاب (باكستان). وأخيرا لعب شيء يشبه اختبار عدم الإضرار بالديموقراطية دورًا في بعض الحالات. على سبيل المثال، ربما كان استبعاد الإدارة للمجر وتركيا قائمًا على إحجام بايدن عن فعل أي شيء للمساعدة في إعادة انتخاب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ثالثا: تقسيم العالم إلى ديمقراطيات صالحة للمشاركة وأخرى غير ديموقراطيةـ وهنا نشير إلى نقطتين: الأولى استمرار للخطاب الأمريكي بعد الحرب الثانية؛ “فالديمقراطيات القوية التي تحترم الحقوق أكثر سلامًا وازدهارًا واستقرارًا. تعمل الديمقراطيات أيضًا على تكوين شركاء أقوى للولايات المتحدة، حيث نعمل معًا لمواجهة التحديات الدولية الأكثر إلحاحًا في العالم، من مكافحة أزمة المناخ إلى منع الجائحة التالية.”
أما الأمر الجديد، فهو استخدام تحالف الديموقراطيات كأحد عناصر المواجهة والتنافس مع الصين وروسيا اللتين تم استبعادهما بما دفعهما لمهاجمتها، فالقمة تعتبر فرصة لإعادة صياغة السرد المهيمن عالميًا بأن الديمقراطية في موقف دفاعي وأن الحكام المستبدين يكتسبون اليد العليا ببطء، إلا أنه يلاحظ أن فكرة تقسيم العالم إلى فسطاطين لا تلقى قبولا دوليا حيث يخشى البعض في أوروبا من أن السرد الذي أدى إلى قمة بايدن للديمقراطية -تقسيم العالم إلى ديمقراطيات صالحة للمشاركة ولا ديمقراطيات – لا يأخذ في الحسبان عالم اليوم المعقد؛ فالقمة القائمة على هذه النظرة للعالم قد تريح المشاركين، لكنها تفتقر إلى قابلية التطبيق الأوسع. في سياق أزمة المناخ والوباء العالمي، وكلاهما يتطلب التنسيق بين الديمقراطيات وغير الديمقراطيات على حد سواء.
رابعًا: أزمة المثال الديموقراطي الأمريكي
دأب بايدن على استخدام لفظة “قوة مثالنا” للتعبير عن استعادة القيادة الأمريكية للعالم، إلا أنه وفي نفس الوقت هناك إدراك لحدود هذا المثال الذي يتعرض لأزمات متعددة، ووفق هذا الإدراك تواجه قمة بايدن العالمية معركة شاقة، فهي لم تسفر بعد عن محادثة محلية ذات مغزى حول أجندة تعزيز الديمقراطية في الداخل، ولم تكن إدارة بايدن قادرة على وقف ظهور قوى معادية للديمقراطية في الولايات المتحدة.
على خلفية القمة، تواجه البلاد هجومًا مستمرًا على مؤسساتها الديمقراطية بعد أن أقرت تسع عشرة ولاية قوانين ستجعل من الصعب على الأمريكيين التصويت، وتكثر الجهود الأخرى لتقويض نتائج الانتخابات من خلال إدارة الانتخابات الحزبية، كما أظهر استطلاع للرأي أُجري في أكتوبر 2021 أن 52 بالمائة من الأمريكيين يعتقدون أن الديمقراطية الأمريكية تحت “تهديد كبير”.
خامسا: مبادرة التجديد الديموقراطي
تعتمد نظرية نجاح القمة في جزء كبير منها على مطلب قيام كل حكومة مشاركة بالتعهدات الملموسة لتعزيز الديمقراطية في الداخل والخارج، ثم تنفيذها على مدار عام 2022، لكن في العالم العربي لم تحضر الحكومات ليطلب منها ذلك، وعلى الوجه المقابل يمكن أن يستفيد المجتمع المدني العربي من الالتزامات التي تعهدت بها الولايات المتحدة وأخذت عنوان “مبادرة التجديد الديموقراطي“؛ ففي العام المقبل، تخطط الولايات المتحدة لتقديم ما يصل إلى 424.4 مليون دولار للمبادرة الرئاسية، وستتركز هذه الجهود على خمسة مجالات عمل حاسمة لأداء حكم شفاف وخاضع للمساءلة:
1-دعم الإعلام الحر والمستقل.
2-محاربة الفساد.
3-تعزيز الإصلاحيين الديمقراطيين.
4-تطوير التكنولوجيا من أجل الديمقراطية.
5-الدفاع عن انتخابات وعمليات سياسية حرة ونزيهة.
ويظل التفاعل مع نتائج قمة الديموقراطية التي ستتكرر العام القادم رهنا بقدرة الحقوقيين ودعاة الديمقراطية العرب على كيفية إحداث تغييراتٍ في المنظور الدولي لأهمية قضية حقوق الإنسان في المجتمعات العربية -كما أشار معتز الفجيري في مقاله السابق، وهنا يمكن أن نشير إلى ملمح جديد في الخطاب الحقوقي العالمي يمكن أن نستفيد منه عربيا وهو التأكيد على الربط بين الديموقراطية وبين النتائج التي تحدثها مباشرة على معيشة الناس من صحة وتعليم وتوظيف …إلخ.
بعبارة أخرى، فلايزال الخطاب الحقوقي والديموقراطي الغربي يؤكد على عالميته في مواجهة خطاب الخصوصية الذي تتبناه الصين والديكتاتوريات الأخرى، إلا أنه يسعى في نفس الوقت لاستيعاب حديثها عن أولوية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من خلال الربط بين الحريات الفردية والسياسية وتقدم المسار الديموقراطي وبين النتائج المتحققة من وراء ذلك كله فيما يخص مستوى معيشة الناس، كما أصبح هناك تأكيد على أن الشباب الذين لديهم فرص عمل جيدة والذين يعيشون في مجتمعات آمنة مع طرق ومستشفيات وخدمات صحية لائقة هم أقل عرضة للانخراط في حركات الإرهاب والتمرد العنيفة والعصابات الإجرامية.
إن المواطنين المزدهرين والمستنيرين هم في وضع أفضل لمساءلة الحكومات المحلية والوطنية. لذلك، فإن المدى الذي تساعد فيه قمة الديمقراطية في تعزيز هذه العوامل الاقتصادية الهيكلية للديمقراطية في المنطقة من خلال زيادة الرخاء المادي في عالمنا العربي سيكون حاسمًا لتعريف النجاح.