بعد ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف قضاها محبوسًا احتياطيًا، أخلت السلطات سبيل الصحفي والباحث هشام جعفر، دون إحالته إلى المحاكمة، وذلك بتدابير احترازية في 26 مارس الماضي.
«لم يعلم جعفر أنه تم إخلاء سبيله سوى بعد ترحيله إلى حجز محكمة الجيزة، وعدم عودته للعقرب من جديد، كان يظن أنه ذاهب لإجراء فحوصات طبية، لم يُصدق حينها إنه تم إخلاء سبيله أخيرًا. عندما ذهب ابنه لقسم أكتوبر -موقع احتجازه بعد ترحيله من تخشيبة الجيزة إليه- لإعطاءه ثياب جديدة، رفض أخذها وأصر على استمرار ارتدائه الزي الأبيض الخاص بالسجن، ربما لم يقتنع بعد أنه حر»، تقول منار طنطاوي زوجة جعفر.
عدم تغييره للملابس يعود إلى رغبة جعفر في توصيل رسالة إنه ليس لديه أي مشكلة في الرجوع إلى السجن مرة أخرى، حسب جعفر الذي لديه مفهوم خاص عن التحرر، «فالحرية ليست بالضرورة أن أكون على شفا خطوة واحدة من الوجود خارج الأسوار»، يقول جعفر لـ «مدى مصر».
قضى جعفر سنواته خلف القضبان في حبس انفرادي، ومُنعت عنه الزيارة. وتدهورت حالته الصحية، حيث أوشك على فقد بصره، وأُصيب بورم خبيث في البروستاتا واحتباس في البول. ظروف احتجاز جعفر دفعت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، للتقدم ببلاغ للنائب العام ضد المحامي العام لنيابات أمن الدولة، في 14 يناير الماضي يتهمه بالشروع في قتل جعفر واحتجازه دون وجه حق، لكن حتى هذا التحرك لم يشفع لجعفر، ولم يحصل على الرعاية الطبية التي يحتاجها، واستمر حبسه متجاوزًا الحد اﻷقصى المسموح به للحبس الاحتياطي.
رغم هذا، يعتبر جعفر أن تجربة السجن بالنسبة له كانت فرصة إعادة النظر في ذاته، وساهمت في تحريرها، موضحًا: «الحرية شعور ذاتي ليس مرتبط بأوضاعك، فبمقدار ما تشعر بحرية حتى في ظل قيود السجن فأنت حر. القيود التي تقيدك ليست قيود مادية فقط، بل حتى القيود المادية أسهل من القيود الذاتية، طالما استشعرت نفسيًا أنك حر فأنت حر».
الطريق إلى السجن
تخرج جعفر من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في عام 1985، وحصل على الماجستير في العلوم السياسية. اشتغل بعدها بالصحافة، والعمل البحثي الأهلي لاحقًا. «تقديم إعلام مبنى على أرضية المرجعية الإسلامية»، الجملة السابقة تلخص رؤية جعفر الإعلامية، وقد استخدمها عند وصفه لموقع «إسلام أون لاين» الذي ترأس تحرير القسم العربي به منذ تأسيسه وحتى إغلاقه.
يصف أحمد عبد ربه، أستاذ العلوم السياسية، جعفر لـ«مدى مصر» بأنه لديه تجربة فكرية ثرية تشجع على ثقافة الحوار ونبذ العنف. يبدو من فيديو يتحدث فيه جعفر عن اهتمامه كذلك بتجديد الخطاب الديني، والتنوع، والمواطنة، وقبول الآخر، وهو ما سعى لتحقيقه من خلال الحوار المستمر بين مختلف أطياف المجتمع، كما يقول الدكتور حنا جريس، نائب رئيس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الأسبق، الذي بدأت علاقته بهشام منذ أكثر من 25 عامًا.
هو رجل متدين تقليدي أقرب للحالة الصوفية، وذلك يرجع لنشأته الريفية في بيئة محافظة من عائلة أزهرية، يُضيف جريس مشيرًا إلى إدراك جعفر أنه هناك مشكلة في المصالحة بين تلك البيئة المحافظة وبين التحولات الجارية في العالم، ورؤيته لكيفية تعامل تلك البيئة مع الأنماط الثقافية المختلفة.
ويوضح جريس لـ «مدى مصر» أن جعفر من هنا بدأ يتولد لديه الإيمان بالحوار الشامل بين كل أطياف هذه التعددية الثقافية سواء كانت محلية أو دولية، بهدف تحقيق السلم الاجتماعي، ولهذا حاول كثيرًا أن تتحاور منظمات المجتمع المدني مع الحكومة، كما كان يرى أنه إذا رفضت كل جماعة التحاور مع الأخرى بداعي تخوينها أو تكفيرها سيظل المجتمع مفتتًا، وهذا كان دافعه لتبنيه محاولات خلق مجال عام صحي ومناخ سياسي ملائم، ولهذا سعى أن تضع الجماعات المختلفة مصلحة الفرد صوب أعينها.
لكن رئاسة تحرير جعفر للقسم العربي لـ «إسلام أون لاين»، فضلًا عن بعض كتاباته، أثارت التساؤلات حول كونه ينتمي فكريًا لأي من أطراف المعسكر الإسلامي. يقول الصحفي حسام السيد، صديق جعفر وعضو مجلس تحرير «إسلام أون لاين»، إن نظرة جعفر للإسلام كثقافة جزء من المكون الحضاري للمجتمع المصري، مثل قناعة الكثير من المصريين، على حد تعبيره، لكن اختلاف جعفر عن العامة أنه كان قادرًا على بلورة أفكاره تلك، بينما اختلافه عن خطابات المعسكرات الإسلامية التقليدية، هو نبذه للعنف، وإيمانه بالتنوع كضرورة إنسانية، ولم يستخدم المقولات الدينية المقولبة لا في كتاباته أو وثائقه.
يتذكر جريس نجاح محاولات الحوار التي كان يعقدها جعفر بين شيوخ وقساوسة، كل ما كنت أحضره سابقًا كانت جلسات ودية فارغة المضمون تنتهي بتبادل القبلات بين الشيوخ والقساوسة، لكن المرة الوحيدة التي رأيت فيها شيوخ وقساوسة يتناقشون جديًا سويًا في معاني المواطنة والحقوق والواجبات المتبادلة كان مع هشام، «محدش عرف يعملها في مصر غيره»، على حد قوله.
قبل تركيز جعفر على العمل البحثي و المجتمعي كانت له تجربة صحفية مختلفة وهي «موقع إسلام أون لاين»، والذي يصفه الصحفي حسام السيد بأنه كان محاولة إيجاد خطاب إسلامي مختلف ومشتبك مع المجتمع وليس خطاب متعالي عليه.
تأسس الموقع عام 1998 بتمويل قطري وسعودي، تحت إشراف يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين السابق. أُغلق الموقع بعد ذلك من قبل المؤسسة المشرفة على تمويله عام 2010، وعاد العمل به بعد ذلك بعد استغناء الإدارة عن أغلب طاقم العمل القديم.
أثار الموقع كثيرًا من الجدل كونه ابتعد عن الخطاب الإعلامي الإسلامي التقليدي. كانت تجربة استثنائية لموقع إسلامي غير حزبي وغير متعصب ومهني، هكذا وصفه الكاتب عمرو الشوبكي، في أحد مقالاته بعد قرار غلقه من قبل المؤسسة القطرية الممولة له. كان الطرف السعودي الشريك في الشركة المالكة للموقع رافضًا لقرار الغلق، «ولكن لم يكن يستطيع الموقع الاستمرار بالقرار السعودي فقط لأن ذلك قرار شركة لا يستطيع طرف في مجلس الإدارة الانفراد به وحده»، يقول الصحفي حسام السيد.
ما ميز التجربة، بحسب السيد، أنها -رغم اسمها اﻹسلامي- اقتحمت تابوهات لدى الإسلاميين مثل وجود صفحات تتكلم عن السينما، والجنس، والموسيقى، فضلًا عن متابعة الأخبار الجارية. كان هذا صادمًا للبعض. «كان كل شوية مجموعة إخوانية تذهب للشيخ القرضاوي -المشرف على إدارة الموقع- تقوله ألحق دول بينشروا الفتنة».
على الجانب الآخر، واجهنا هجومًا من السلفيين عند نشرنا أبحاث تفند التأصيل الشرعي للعنف، لم يقدر أحد على تصنيف الموقع أو جعفر، وإن كان ذلك مبررًا للهجوم على الموقع من أطراف كثيرة إلا أنه كان الدافع وراء توافق الكثيرين على جعفر كباحث وصحفي، يقول السيد.
«كان رئيس تحرير مثقف للغاية، وصحفي يسبق عصره»، هكذا يصفه محمود أبو بكر أحد المحررين السابقين بـ«اسلام أون لاين» والصحفي حاليًا بـ«بي بي سي». «حديثه دائمًا كان غني بالقيمة والمعلومات».
يصف عبد ربه جعفر، والذي عمل معه على مشروعه لوضع لائحة جديدة لمجلس النواب وكذلك رؤية مصر 2030، بأنه «شخصية شديدة الهدوء، شديدة الاحترام، شخص منظم وودود ومجتهد في عمله ويقدر حق كل من يعمل معه، مطلع ومثقف بحق، منفتح على الجميع، سلمي لأقصي مدي، غير متقلب ولا متلون ومخلص جدا لعمله و لأفكاره».
وهو ما يتفق معه جريس مُضيفًا لـ «مدى مصر» أنه كان محبًا للناس بشكل كبير، وكان يستطيع دائمًا إيجاد الروابط المشتركة بين المختلفين لتجميعهم بشكل مقنع، لم أشعر أبدًا أن خلفه أجندة ما. كان جعفر يُعطي مساحة من الحرية لجميع العاملين معه في طرح الأفكار، ويزيل الفوارق عند التعامل معهم، يقول صديقه الصحفي حسام السيد.
يتذكر أبو بكر موقفًا لجعفر لم ينساه، عندما تم وقف الموقع وإطلاق نسخة أخرى منه، وهي «أون إسلام». «كان هناك اتجاه لخفض رواتبنا لنحو النصف، اجتمع بنا حينها ليخبرنا بسريان ذلك القرار على إدارة التحرير فقط، دون رواتب المحررين الصغار وذلك لمساعدتهم في بداية حياتهم».
«أنشأ حضانة بمبنى الموقع، ووفر مطعم يُقدم الوجبات بسعر أرخص من الخارج»، يوضح أبو بكر اهتمام جعفر ببعض الجوانب الإنسانية للمحررين.
إلى جانب عمله الصحفي، والبحثي، كان لجعفر عدة مبادرات، ومشروعات مجتمعية مثل التي عمل عليها مع جهات حكومية كمشروع «نون الحضارة» بالتعاون مع المجلس القومي للسكان، والتعاون مع الأزهر ووزارة الأوقاف على تنفيذ تدريبات وإعداد أوراق عمل متعلقة بتجديد الخطاب الديني، وذلك من خلال مؤسسة مدى للتنمية الإعلامية التي يرأس جعفر مجلس إدارتها. كما عمل جعفر على مشروعين بارزين قبل القبض عليه بأشهر قليلة، وهي «الإنذار المبكر في مناطق الفتن الطائفية»، ووثيقة «من أجل تقوية مجال سياسي ديمقراطي تحكمه قواعد أخلاقية متفق عليها».
يقول جريس إن «الإنذار المبكر» كان مقترحًا من جعفر لحل فعال للفتن الطائفية بديلًا عن اللجوء للمجالس العرفية. كان اقتراحه هو تكوين بعض المجموعات على الأرض، والتي تستشعر بوادر المشاكل قبل أن تستفحل، ثم يتم نقلها للجهات المعنية مثل الأطراف الأمنية، ومجلس الشعب أو القيادات المجتمعية كالكنيسة وشيوخ الجوامع، مضيفًا أنه جرت محاولات لإشراك الدولة في تنفيذ الفكرة، لكن لم تجد استجابة.
قبل القبض عليه بيومين، كان مخططًا اﻹعلان عن وثيقة «من أجل تقوية مجال سياسي ديمقراطي تحكمه قواعد أخلاقية متفق عليها»، تقول منار طنطاوي زوجة جعفر، موضحة أن أحد شركائه في الوثيقة نصحه بتأجيل الإعلان لما بعد انتخابات مجلس الشعب، وهو ما استجاب له. الوثيقة لم تخرج للنور حتى الآن، حسب جريس أحد شركاء جعفر في وضع الوثيقة
في بيان نشرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في مايو 2016، ذكرت فيه أن تلك الوثيقة هي سبب القبض على جعفر، بعد أن شاور 10 أحزاب سياسية حولها، وكذلك مؤسسة الحوار الإنساني السويسرية، التي تعاونت من قبل مع العديد من المؤسسات التونسية وساعدتها «لإدارة حوار سياسي وديمقراطي يساعد على تجنب الصراع والتناحر»، وهو ما سبق جهود التوافق الوطني في تونس. اعتبر البيان أن النظام خاف من تكرار تلك المصالحة في مصر خوفًا من مساءلته.
يشير جمال عيد مدير الشبكة لـ «مدى مصر» إلى أن هناك بعض الأجنحة من النظام ممن لها ملفات فساد قديمة ومن مصلحتها عدم وجود مناخ سياسي مثل تونس يسمح بمساءلتها، مما دعا إلى صدور أمر من الأمن الوطني بالقبض على جعفر.
تقول المادة الثالثة من ملخص الوثيقة «إن ضمان مجال سياسي يشارك فيه الجميع، يتطلب رفض عزل أو إقصاء أي تيار سياسي أو فكري من المجال العام ومن المشاركة في التنافس الديمقراطي»، ووضعت الوثيقة بعض الشروط لذلك منها «الفصل بين الدعوة الدينية والعمل الحزبي».
رفضت جماعة الإخوان المسلمين وحزبي الوفد والمصريين الأحرار المشاركة في الوثيقة، يقول جريس، مُضيفًا «كان هدفنا وجود مجال سياسي راقِ قوي يخلو من الرشاوى السياسية، والتكفير، والتخوين»، وشهدت الوثيقة مشاركة قوى مختلفة في الحوار منها أحزاب النور، والمؤتمر، والمحافظين وأعضاء سابقين بالحزب الوطني.
حاول جريس معرفة أسباب القبض على جعفر. يقول إنه تواصل مع شخصيات نافذة، وعلم أن هناك تقارير من أحد الأجهزة السيادية تزعم «أن جعفر من الإخوان المسلمين وكان مستشارًا سياسيًا لخيرت الشاطر». وعندما أبلغ أحد أفراد ذلك الجهاز أن ذلك غير صحيح، رد عليه بقوله «إن جعفر خدعك بفكرة عدم انضمامه للجماعة، وحاول استخدامك». بحسب جريس، فإن صراعًا بين الأجهزة الأمنية قد يكون السبب وراء القبض على جعفر.
الرأي السابق يتفق معه مصدر على صلة بشركاء جعفر في إعداد الوثيقة فضل عدم ذكر اسمه، قائلًا: «علمت أن تواصل جعفر مع مؤسسة الحوار الإنساني السويسري في شأن الوثيقة كان تحت رعاية وموافقة أحد الأجهزة الاستخبارية غير الأمن الوطني».
يعتقد جريس أن أحد أسباب استمرار احتجاز جعفر طوال هذه السنوات، هو الخوف من تحركاته واتصالاته مع الإخوان، خاصًة أنه من الأشخاص القليلين في المجال العام الذي عليهم توافق من الجميع، وله تأثير في الساحة.
سنوات الحبس
داهمت قوات الأمن في 21 أكتوبر 2015، مقر مؤسسة مدى للتنمية الإعلامية التي أسسها جعفر، وألقت القبض عليه، ثم اقتادته لمنزله وحطمت بعض محتوياته.
ظهر جعفر بعد ذلك في 24 أكتوبر 2015 في نيابة أمن الدولة متهمًا بالانضمام لجماعة أُسست على خلاف القانون، وتلقي رشوة من جهات أجنبية في القضية 720 لسنة 2015 حصر أمن دولة، دون مواجهته بأي وقائع لاتهامه سوى عضويته في مجلس إدارة إحدى المنظمات الدولية، بحسب محاميه كريم عبدالراضي.
في توقيت متزامن مع القبض على جعفر، قُبض على صديقه عضو مجلس تحرير موقع «إسلام أون لاين» حسام السيد، وضُم لذات القضية مواجهًا الاتهامات نفسها. لكن أُخلي سبيل السيد بعدها بنحو أربعة أشهر بمفرده. يقول محاميه عبدالله طنطاوي لـ«مدى مصر» إن خروج حسام دون هشام معضلة لم نجد كمحامين تفسير لها حتى الآن.
يُشير محاميه كريم عبد الراضي لبعض الأخطاء غير المفهومة على حد وصفه التي وقعت بحق جعفر من قبل النيابة والسلطات الأمنية، «رغم مواجهته تهمتين فقط في النيابة إلا أنه عند بدء نظر حبسه الاحتياطي لدى غرفة المشورة بمحكمة الجنايات، ضمت النيابة لملفه تهمة التخابر مع جهات أجنبية». قد تكون إضافة تلك التهمة للتأثير على عقيدة القاضي بتضخيم جُرم جعفر، يقول عبدالراضي.
في 13 نوفمبر الماضي استشعرت المحكمة الحرج في نظر تجديد حبس جعفر. يقول عبد الراضي: «لم نجد ردًا أبدًا في أي من جلسات تجديد حبسه من المحكمة على مبررات استمرار حبسه احتياطيًا رغم تجاوزه المدة المقررة قانونًا، هو الآن معتقل مُقنع في صورة محبوس احتياطي».
ويشير عبد الراضي إلى أنه لم ينظر أمر تجديده سوى دوائر الإرهاب، متذكرًا أنه «في المرة الوحيدة التي كانت ستنظر تجديده دائرة عادية من الممكن أن تُخلي سبيله بعد دراسة دفوع محاميه، نادت الدائرة عليه لكن الأمن لم يمكنه من الحضور رغم وجوده في المحكمة، وهو ما يحدث بصورة مشابهة عندما تنظر تجديدات حبسه دوائر إرهاب يشتهر رؤسائها بإخلاء سبيل المتهمين عند انتهاء مدة حبسهم احتياطيًا، كدائرة المستشار شيرين فهمي، حينها يُعلن الأمن تعذر نقله».
تبكي والدة جعفر يوميًا عليه منذ القبض عليه وكل ما تأمله رؤيته مرة أخرى في حياتها، تقول منار طنطاوي زوجة جعفر.
«هشام بالنسبة لي مثل ابني الكبير، وكنت أخاف عليه كثيرًا»، تقول زوجته، مُضيفة: أشعر بقلق دائم منذ تدهور حالة بصره، موضحة أن بسبب ضعف بصره كان يأتي للمنزل أحيانًا عند نزوله مُصابًا لوقوعه في الشارع من جراء التعثر في طوبة لم يستطع رؤيتها، «ما الحال وهو سجين»؟
تبنت طنطاوي قضية زوجها من خلال صفحتها الشخصية، أو الصفحة التي أسستها لجعفر، لتنشر مئات المنشورات عليها حتى الآن، بجانب الحديث عن قضيته لمختلف الوسائل الإعلامية. غَيّر هذا من نمط حياتها تمامًا فهي قبل القبض عليه لم تكن حتى تدرك تفاصيل عمله.
أصعب لحظة مرت علي كانت عند ترحيله إلى المستشفى، بعد تعرضه في إحدى المرات لاحتباس بول شديد ورأيت وجهه أسود من جراء الاحتباس، تذكرت كيف كان يعاني منه عندما كان في المنزل، كيف إذًا استمرت عليه تلك اللحظات وهو في السجن؟
حددت المستشفى موعدًا لإجراء جعفر العملية الجراحية لاستئصال ورم خبيث في البروستاتا في 30 سبتمبر 2017 لكن سلطات سجن العقرب لم تسمح له بإجراء العملية حتى فبراير 2019، بعد 17 شهرًا، وقدمت طنطاوي أكثر من طلب طوال تلك الفترة لنقله إلى المستشفى، كان آخرها 8 يناير الماضي، وكذلك المجلس القومي لحقوق الإنسان، دون استجابة من السلطات، حسبما أخبر سابقًا جورج اسحق عضو المجلس لـ«مدى مصر»، قائلًا: عملنا ما بوسعنا ولم يتبق لنا سوى قول «يا رب».
في 13 فبراير الماضي، تقدمت زوجة جعفر، بأوراق ترشحه لعضوية مجلس نقابة الصحفيين، وهي الخطوة التي لاقت ترحيب بعض أعضاء النقابة، لكن في النهاية رفضت اللجنة المشرفة على الانتخابات قبول أوراقه لعدم انطباق شروط الترشح عليه. «خطوة الترشح جاءت لتذكير الناس بقضيته وكنوع من الاحتجاج على عدم الإفراج عنه»، تقول منار طنطاوي زوجة جعفر لـ«مدى مصر»، مٌشيرة إلى أن وضع احتجازه في العقرب تحسن نسبيًا أثناء فترة الانتخابات، وظهر ذلك في زيادة مدة التريض له على سبيل مثال.
في اليوم التالي، أجرى جعفر العملية في 14 فبراير الماضي، لكن طنطاوي لا تعتقد أن ترشحه له علاقة بالأمر وإنما حدث ذلك نتيجة الضغوط المستمرة لطلب إجراء العملية.
بعد إخلاء سبيله، يرى جعفر أنه سيحتاج لبعض الوقت لقراءة الواقع قراءة معمقة أولًا، حتى يستطلع مجالات العمل الفعلية، كما سينظر للأوضاع القانونية لمؤسسة مدى للتنمية الإعلامية المغلقة الآن.
يستطرد جعفر: «السجن يساهم في إعادة النظر في أشياء كثيرة، من منظور جديد. انت في الحياة وتحت ضغوطها ووتيرة الحركة فيها ربما تفتقد بعض هذه المعاني المتعلقة بالتفكر والتدبر وتُقيد ذاتيًا، لكن عندما تكون في خلوة، تحصل على فرصة لإدراك الأشياء من منظور جديد، فهذا يحررك حتى من إثر المنظور التقليدي أو الرتابة الذي يمكن أن تنظر به للأشياء، هذا يساعدك على أن تتحرر، لذا كنت حرًا وأنا سجين».