نُشر في فكر تاني – أغسطس 2025

قدر لكاتب هذه السطور أن يدرك مبكرا أن القتل الجماعي الذي يتعرض له الفلسطينيون منذ أكتوبر/تشرين أول ٢٠٢٣ هو مستقبل البشرية المشترك.

ترتبط الإبادة الجماعية في غزة بظاهرة أوسع نطاقًا تتمثل في القتل الجماعي الذي لوحظ في صراعات أخرى لا تزال مستعرة (اليمن والسودان ودول الساحل الإفريقي والمكسيك واوكرانيا…). يُظهر ذلك أن العنف المسلح اليوم يأخذ أشكالًا متنوعة، سواء كانت حروبًا تقليدية بين دول، أو حروبًا أهلية، أو عنفًا مرتبطًا بالجريمة المنظمة، مما يشير إلى أن القتل الجماعي قد يكون مستقبلًا عالميًا مشتركًا.

غالبًا ما تعتمد مبررات القتل الجماعي على مفاهيم الدفاع عن النفس والأمن القومي ومواجهة التهديدات الوجودية المتصورة، والتي تتجذر في المعتقدات الأيديولوجية المتطرفة التي تشرع العنف ضد الآخر.

وانطلاقا من هذا الفهم سعيت في الفصل الأخير من كتابي المتوقع صدوره أكتوبر/تشرين أول المقبل أن أقدم إطارا تفسيريا شاملا للإبادة الجماعية في غزة من خلال دمج العدسات التحليلية المتعددة والمترابطة للوقائع المقدمة في التقارير الكثيرة التي قامت بها مؤسسات بحثية وإعلامية وحقوقية مختلفة. تشير مجموعة المقالات في “الفصل الخامس” إلى نهج متعدد الجوانب لفهم الإبادة الجماعية، واستكشاف أبعادها وتداعياتها المختلفة.

الخطير في غزة، وقد استمرت الإبادة حتي الآن أكثر من ٢٢ شهرا و ٦٨٨ يوما، أنه تم تطبيعنا مع العنف الممنهج. يشير التطبيع، في سياق الإبادة الجماعية، إلى العملية التي أصبح من خلالها النظام الدولي والمجتمعات، وخاصة المجتمعات العربية، معتادة على العنف المروع والتدمير المنهجي الذي يحدث هناك، مما يسمح للحياة بالاستمرار كالمعتاد على الرغم من هذه الفظائع. وهذا يشمل جعل الإبادة الجماعية المستمرة، مع التجويع المنهجي، وقتل الأطفال والنساء، وقطع المياه والكهرباء، وقصف المستشفيات والمدارس، وتدمير أحياء وعائلات بأكملها …، تبدو وكأنها أمر طبيعي أو مقبول.

قررت إسرائيل السيطرة على قطاع غزة بالكامل (وكالات)

قررت إسرائيل السيطرة على قطاع غزة بالكامل (وكالات)

سمات الإبادة الجماعية

طوال هذه الفترة، عبرت العديد من التصريحات الصادرة عن صناع القرار الإسرائيليين والقادة العسكريين والمثقفين والإعلاميين عن نوايا إبادة جماعية. وقد نقلت هذه التصريحات وجهة نظر مشتركة مفادها أن معظم سكان قطاع غزة، أو جميعهم، مسؤولون عن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول أو يدعمونها.

إن نزع الصفة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني وتشويه سمعته يعتبران شرطين أساسيين لتنفيذ الإبادة الجماعية والعنف الشديد ضد مجموعة محددة. وقد لوحظت هذه الممارسة منذ الأيام الأولى للاستيطان الصهيوني ضد السكان الفلسطينيين كجزء من عملية شاملة استهدفت التطهير العرقي والتهجير.

يفصل تقرير “إبادتنا الجماعية” عدة سمات بارزة للإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون. تُبرز هذه السمات نية العدوان ونطاقه وتأثيره، بالإضافة إلى آليات تنفيذه.

صدر التقرير في يوليو 2025، وتم نشره من قبل منظمة بتسيلم، وهي منظمة حقوق إنسان إسرائيلية تعمل مع الإسرائيليين والفلسطينيين، من قطاع غزة والضفة الغربية بالإضافة إلي القدس الشرقية. أهمية التقرير أنه ولأول مرة تقوم مؤسسة إسرائيلية بوصف ما يجري في غزة بأنه إبادة جماعية. صحيح أنه تأخر لأكثر من ٢٠ شهرًا، لكنه يظل يكتسب أهمية بالغة في ظل إجماع الإسرائيليين على تجاهل وإنكار ما يجري في غزة.

يسلط التقرير الضوء على “نطاق وخطورة الجرائم التي تُرتكب” ضد الفلسطينيين. ووصف تصرفات إسرائيل بأنها إبادة جماعية، ويؤكد أن النظام الإسرائيلي يتصرف بنية منسقة وواضحة لتدمير المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة. ويستنتج هذا القصد من إدراك القيادة الإسرائيلية للعواقب المدمرة لسياساتها المتمثلة في إطلاق النار والتجويع، والتدمير المنهجي للبنية التحتية المدنية، وقرارها بمواصلة الهجوم وتصعيده.

القيادة الإسرائيلية الحالية، التي تدعمها أغلبية “عنصرية متطرفة”، توصف بأنها تشبه “وحش البحر” من سفر الرؤيا، الذي يجسد سمات أعنف الحيوانات ويتفوق عليها في الوحشية.

القتل على نطاق واسع والإصابات الجماعية -سمة ثانية؛ فاعتبارًا من 23 يوليو 2025 ومنذ بدء العدوان في ٧ أكتوبر/تشرين أول ٢٠٢٣، أفادت وزارة الصحة في غزة بمقتل ما لا يقل عن 59219 فلسطينيًا وإصابة 143045 آخرين، كان من ضمن القتلي أكثر من 18 ألف طفل.

وصفت طائرة إف-35 المقاتلة صراحة بأنها “أداة ذبح” ضد السكان في غزة، حيث أن “دقتها” هي “تعبير ملطف قاسٍ” عندما تكون الأهداف هي المنازل ومخيمات اللاجئين والأسر الهاربة والمدنيين. تحمل هذه الطائرات تسعة أطنان من القنابل والصواريخ التي تُستخدم لتدمير الأحياء وتنفيذ عمليات اغتيال في المناطق المكتظة بالسكان وحتى في “المناطق الآمنة” المُخصصة. يتضمن القصف المتواصل استخدامًا ممنهجًا لقنابل GBU-31 “الخارقة للتحصينات” التي تزن 2000 رطل، في المناطق المدنية، مما يجعل الموت الجماعي “نتيجة مُدبرة” .

من الأمثلة الواضحة، مجزرة المواصي في 13 يوليو/تموز 2024 ، وهي منطقة مُصنّفة كـ”منطقة آمنة”، حيث أسقطت طائرة إف-35 ثلاث قنابل زنة 2000 رطل، مما أسفر عن مقتل 90 فلسطينيًا على الأقل وإصابة 300 آخرين ، حيث أصابت خيامًا ومطبخًا للطعام ومحطة لتحلية المياه. وأفاد شهود عيان أن طائرات رباعية الدفع إسرائيلية أطلقت النار على المسعفين.

استهداف خيام نازحين بمواصي خان يونس جنوب القطاع (مواقع التواصل-أرشيف)

استهداف خيام نازحين بمواصي خان يونس جنوب القطاع (مواقع التواصل-أرشيف)

أدان مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان هجوم المواصي، مشيرا إلى أن استخدام مثل هذه الذخائر الثقيلة في منطقة مكتظة بالسكان يشير إلى “نمط من الانتهاك المتعمد” للقانون الإنساني الدولي.

سعت القيادة الإسرائيلية إلي جعل غزة منطقة غير قابلة للحياة من خلال:

◦ تدمير واسع النطاق للنظام الصحي ، مما أدى إلى وفيات الرضع والأجنة، ونقص في حليب الأطفال (وصفه طبيب متطوع في مستشفى ناصر بأنه سبب إضافي لوفاة الأطفال حديثي الولادة)، وزيادة بنسبة 300٪ في معدلات الإجهاض. واحدة من كل ثلاث حالات حمل عالية الخطورة، وواحدة من كل خمس ولادات مبكرة أو منخفضة الوزن.

◦ منعت إسرائيل أو قيدت أو أعاقت دخول الإمدادات الطبية الحيوية (مثل الأدوية ومسكنات الألم وأجهزة التنفس الصناعي)، وتم نهب جزء من الإمدادات المسموح بها قبل وصولها إلى وجهتها.

◦ فرض الجيش الإسرائيلي حصارًا ونفذ غارات على المستشفيات بدعوى خدمتها أغراض حماس العسكرية، وهو ادعاء ذكر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنه لم يكن مدعومًا بأدلة كافية في معظم الحالات ويتناقض مع القانون الدولي.

◦ تدمير الغذاء والزراعة: أدت القيود المفروضة على الوصول إلى الأراضي الزراعية والعنف المتزايد من جانب المستوطنين إلى جعل العمل الزراعي، وخاصة حصاد الزيتون، “شبه مستحيل”.

لقد شهدنا زيادة حادة في انعدام الأمن الغذائي بين الأسر في الضفة الغربية وغزة، حيث أحتاج ما لا يقل عن 700 ألف شخص إلى مساعدات غذائية في الضفة الغربية بحلول عام 2024 (زيادة بنسبة 100%).

مراكز توزيع المساعدات بغزة "مصائد موت" راح ضحيتها حتى اليوم أكثر من 1300 شهيد فلسطيني (الأوروبية)

مراكز توزيع المساعدات بغزة “مصائد موت” راح ضحيتها حتى اليوم أكثر من 1300 شهيد فلسطيني (الأوروبية)

◦ أطلق جنود الجيش الإسرائيلي ومرتزقة أمريكيون مسلحون النار على أكثر من ألف فلسطيني في مراكز توزيع الغذاء التي أنشأتها منظمة غزة الإنسانية مما أدى إلى مقتلهم.

◦ تدمير البنية التحتية: أكثر من 85% من المدارس في غزة تعرضت للضرر أو التدمير. جري تدمير أكثر من ثلثي المدارس البالغ عددها 345 مدرسة بالكامل. أصبحت العديد منها ملاجئ ولكنها دمرت على روؤس أولئك الذين لجأوا إليها، ومعظمهم من النساء والأطفال والمدنيين العزل. تم تدمير المنازل والمستشفيات والمدارس تحت القصف المستمر. قطاع غزة مدمر بنسبة تزيد عن 80%.

يعيش سكان غزة تحت قصف مستمر، ويبحثون عن ملاذ آمن “لم يعد موجودًا فوق الأرض”، حيث تحول كل شبر من الأرض إلى أهداف مشروعة أو غير مشروعة.

أدى الهجوم إلى “حالة من الفوضى على نطاق واسع” و”تفكك النسيج الاجتماعي”، حيث انقلب الناس على بعضهم البعض “في صراع من أجل البقاء”.

ظهرت عصابات إجرامية مسلحة في ظل الفراغ الأمني ، ولم تسمح إسرائيل لهذه العصابات بتراكم السلطة فحسب، بل دعمتها أيضًا.

شنت إسرائيل هجومًا على الصحافة المحلية في غزة ، مما أسفر عن مقتل 160 صحفيًا في الفترة من أكتوبر 2023 إلى يناير 2025، معظمهم أثناء تأدية عملهم وارتداء ستراتهم التعريفية. وهذا يجعل الهجوم الإسرائيلي على غزة الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين في العقود الثلاثة الماضية. وهذا يشير إلى سمة أخري من سمات الإبادة وهي التحكم في السرد.

تجربة السجن تترك أثراً عميقاً على أجساد وأرواح السجناء، وقد أبلغ العديد منهم عن معاناتهم من أهوال بدنية ونفسية مستمرة بسبب سوء المعاملة في مراكز الاحتجاز. وثّقت تقارير منظمات حقوق الانسان، انتهاكات شديدة وسادية، وتعذيبًا، وضربًا، واغتصابًا في السجون الإسرائيلية، ووصفتها بأنها “انتقام سادي من نظام عنصري بغيض ومريض”.

إن هذه السمات، مجتمعة، ترسم صورة شاملة للطبيعة المنهجية والمتعمدة للأفعال التي تشكل الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، لكن السؤال الذي يجب أن ننشغل به هو فهم السر وراء إدامة هذه الإبادة واستمرارها حتي الآن والتي لا يبدو لنهايتها وقتا معلوما. وافق الكابينت الاسرائيلي الخميس ٧ أغسطس الجاري علي احتلال مدينة غزة، ومن المتوقع أن يتحقق هذا في مدي سنة -وفق تقدير رئيس الأركان الإسرائيلي، مما يعني سنة أخري من القتل الجماعي.

إدامة الإبادة

تتشابك هياكل السلطة والمصالح الاقتصادية تشابكًا عميقًا في إدامة الصراع ونزع الإنسانية والاستفادة منهما، كما يتضح من مفهوم نانسي فريزر “الرأسمالية آكلة لحوم البشر”

يلتهم هذا النظام بطبيعته مصادر دعمه غير الاقتصادية، بما في ذلك الأرواح البشرية والصلاحيات العامة، لتغذية تراكم الثروات، غالبًا من خلال نزع الإنسانية عن فئات سكانية محددة واستغلالها.

نانسي فريزر

نانسي فريزر

تعمل هذه الديناميكية من خلال المصادرة الهيكلية وإزالة الطابع الإنساني. تعتمد الرأسمالية على السكان “القابلين للانتهاك بطبيعتهم”. تري نانسي فريزر -الفيلسوفة النسوية البارزة- أن الرأسمالية تعتمد هيكليًا على الاستيلاء القسري على الثروة من الشعوب المستعبدة والأقليات، وهي “سمة ضرورية هيكليًا ومستمرة للرأسمالية”. ترتبط هذه العملية ارتباطًا وثيقًا بالقمع العنصري الإمبريالي، حيث تُصنف الشعوب على أساس عرقي على أنها قابلة للانتهاك بطبيعتها، وتُحرم من الحماية السياسية والقانونية، مما يجعلها عُزّلًا و”هدفًا مشروعًا للمصادرة – مرارًا وتكرارًا”.

نزع الصفة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني، والذي ينعكس في مصطلحات مثل “دون البشر” والحيوانات …هو “شرطٌ ضروريٌّ لتنفيذ الإبادة الجماعية”. وهذا يسمح بأعمالٍ مثل “حملة الإبادة الجوية ضد الفلسطينيين” وتدمير الأحياء ومخيمات النازحين.

"الرأسمالية آكلة لحوم البشر"

“الرأسمالية آكلة لحوم البشر”

يصف مفهوم “رأسمالية الموت” لعالم الاجتماع والفيلسوف الألماني رالف داهرندورف، مرحلة من الرأسمالية حيث “يصبح الموت والمعاناة البشرية سلعة أساسية للتبادل والاستهلاك”. يزدهر هذا النظام في ظل “مناخ من الكفاءة المفرطة، يُشبه الداروينية الاجتماعية، حيث يُبادل موت الآخرين كسلعة”.

الصراع في غزة، مثل الحرب في أوكرانيا، مورد رئيسي للشركات العاملة في قطاع السلاح، مما يسمح لها “باختبار المعدات والخدمات العسكرية في مواقف قتالية فعلية”.

تبين وفق دراسة صدرت الشهر الماضي لمشروع تكاليف الحرب في جامعة براون الأمريكية، أنه بين عامي 2020 و2024، تلقت خمس شركات كبرى عقودًا بقيمة 2.4 تريليون دولار من البنتاغون، وهو ما يمثل ما يقرب من 54% من إجمالي الإنفاق التقديري للوزارة البالغ 4.4 تريليون دولار خلال تلك الفترة.

حصلت هذه الشركات الخمس مجتمعة – وهي لوكهيد مارتن وبوينغ وRTX (المعروفة سابقًا باسم Raytheon) وجنرال ديناميكس وشركة نورثروب جرامان – على هذا المبلغ، وهو ما يفوق بكثير مبلغ 356 مليار دولار المخصص لميزانية الدبلوماسية والتنمية والمساعدات الإنسانية الأمريكية (باستثناء المساعدات العسكرية) خلال نفس الفترة.

تشير الدراسة إلى أن هذا الحجم الهائل من الإنفاق لا تستفيد منها شركات الأسلحة “الخمسة الكبار” التقليدية فحسب، بل أيضًا “قطاع التكنولوجيا العسكرية الناشئ”.

استفادت صناعة الأسلحة الأمريكية بشكل هائل من الزيادة الكبيرة في مبيعات الأسلحة الأجنبية المرتبطة بالحروب في أوكرانيا وغزة. ويوضح هذا كيف أن أولوية الإنفاق العسكري تمتد إلى الصراعات الدولية.

شركات الدفاع الإسرائيلية، مثل شركة إلبيت سيستمز، تستخدم حرب غزة صراحةً “كحقل تجارب لتطوير أنظمة الأسلحة” ، ثم تسوق هذه التقنيات “المُجرّبة في القتال” للعملاء الدوليين، وبالتالي “تستفيد من ذبح الفلسطينيين”. وهذا يوضح كيف يتم استغلال المعاناة وتحويلها إلى سلعة لتحقيق مكاسب اقتصادية.

تستغل الرأسمالية السلطات العامة وتسعى إلى “تفريغها” من صلاحياتها ومسئولياتها، بما في ذلك الأطر القانونية، والقوى القمعية، والبنية الأساسية، لتجنب الضرائب والتنظيم، وبالتالي تقويض الديمقراطية.وهذا يقلل من قدرة الدول على حماية سكانها.

تنخرط الحكومات في “عمليات تعتيم وتحريف منهجية” لإرباك الرأي العام وإقناعه بأننا لا ندعم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل”. سمحت “الخدعة الإعلامية” للشركات الكندية -علي سبيل المثال- بمواصلة الاستفادة من الإبادة الجماعية الإسرائيلية، بينما ضللت الحكومة الفيدرالية الكنديين المواطنين بإيهامهم بأنها لم تعد تُسلّح قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة. إن مزاعم إرسال سلع عسكرية “غير قاتلة” فقط هي “فئات غامضة ولكنها مُختلقة بالكامل” تُستخدم “كمعلومات مضللة لتضليل الرأي العام”.

الحكومات الغربية، في حين أنها تدعم إسرائيل، إلا أنها في نفس الوقت قمعت الأصوات المؤيدة للفلسطينيين، باستخدام اتهامات “معاداة السامية” لإسكات المنتقدين و”تعميق الانقسام الرئيسي الذي يفصل بين المجمعات المختلفة. ويمتد هذا “الخوف” و”الرقابة الذاتية” إلى المثقفين والسياسيين والبرلمانيين.

تتم انتهاكات القانون الدولي من أجل الربح . على سبيل المثال، تُتهم كندا بانتهاك التزاماتها بموجب معاهدة تجارة الأسلحة وقانون تصاريح التصدير والاستيراد الخاص بها من خلال مواصلة “تدفق السلع العسكرية المصنوعة في كندا مباشرة إلى إسرائيل”، على الرغم من “الخطر الكبير” المتمثل في إمكانية استخدام هذه الأسلحة في انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي. دعا خبراء الأمم المتحدة مراراً وتكراراً إلى فرض حظر كامل على الأسلحة على إسرائيل.

قصف إسرائيلي متواصل يستهدف أنحاء قطاع غزة (وكالة الأناضول)

قصف إسرائيلي متواصل يستهدف أنحاء قطاع غزة (وكالة الأناضول)

الشركات الكندية “متكاملة بشكل عميق” مع المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي، حيث توفر مكونات أساسية للأنظمة العسكرية القاتلة مثل طائرة إف-35 المقاتلة. يشمل ذلك شحنات الرصاص وقطع غيار الطائرات وأنظمة الرادار ومكونات الحرب الإلكترونية، مما يُمكّن إسرائيل بشكل مباشر من “القدرة على ارتكاب جرائم حرب والحفاظ على احتلالها للشعب الفلسطيني”.

تري فريزر أن “الأزمة العامة” التي نواجهها الرأسمالية هي “تشابك هائل من الخلل والهيمنة” حيث “يعني الظلم البنيوي استغلال الطبقات، بالتأكيد، ولكن أيضًا هيمنة النوع الاجتماعي والقمع العنصري/الإمبراطوري. هذه الأزمات، بما في ذلك عجز الرعاية الاجتماعية للأطفال، والتدمير البيئي، وتقويض السلطة العامة، متشابكة بشكل لا ينفصم مع الإمبريالية والقمع العنصري.

إنتاج طبقة من الرعايا “القابلين للانتهاك”

باختصار، تُديم هياكل السلطة والمصالح الاقتصادية الإبادة ونزع الإنسانية من خلال إنتاج طبقة من الرعايا “القابلين للانتهاك” هيكليًا من خلال نزع الملكية، وتسليع المعاناة والموت من أجل الربح، وتقويض المساءلة الديمقراطية والقانون الدولي بشكل نشط من خلال التعتيم الحكومي والتكامل العميق للمجمعات العسكرية الصناعية.

تسمح هذه الديناميكية النظامية لرأس المال بالتهام حياة البشر، والرفاهية الاجتماعية، والصلاحيات العامة، مستفيدًا بذلك من العنف الممنهج والظلم المستمرين.

إن ما يجب إن نهتم به إذن بعد شيوع العنف الممنهج والإبادة المستمرة كيف أن الأنظمة الاقتصادية العالمية، مدفوعةً بمنطق رأسمالي “آكل لحوم البشر”، ومدعومة من قوى سياسية منخرطة في التعتيم والتواطؤ، تُختزل البشر بشكلٍ منهجي إلى فئات من الكائنات القابلة للتصرف، أو مُدخلات اقتصادية، أو مجرد مشاهد قابلة للمتعة….. وتُعدّ هذه العمليات ضرورية لنزع الصفة الإنسانية بما يساعد علي تمكين وإدامة العنف والاستغلال الذي يشهده المجتمع المعاصر.

Share: