نشر في مدى مصر بتاريخ سبتمبر 2020
كان الربيع العربي بموجاته، ولا يزال، يمثّل تغييرًا في قواعد اللعبة الداخلية لصالح شعوبه تمهيدًا لإحداث تحول على المستوى الإقليمي، وفي علاقة المنطقة بالنظام الدولي. في مقابل ذلك، كانت هناك قوة مضادة تستثمر فائض قوتها في الديناميكيات التي فضحها هذا الربيع لتعيد تشكيل المنطقة وتغير قواعدها لصالح رؤية مناهضة لجوهر الانتفاضات العربية؛ الباحثة عن عقد اجتماعي جديد يتم به إعادة بناء الدولة الوطنية بنخب جديدة، على أمل أن يستند هذا العقد إلى مقومات ثلاثة: الحرية والديموقراطية، العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للموارد، تحرير الإرادة الوطنية من الهيمنة الإقليمية والدولية.
هذا الحلم قوته المحركة أجيال جديدة من الشباب مع حضور نسائي طاغٍ.
ليس من قبيل المصادفة أن من يقود التطبيع اليوم مع الكيان الصهيوني هي الدول التي قادت الثورة المضادة من قبل، وهي، وإن كانت تزعم أنها تنسق مع إسرائيل اليوم لمواجهة التهديدات الإيرانية (وهو ما يكذبه واقع الجماهير العربية كما سنرى لاحقًا في هذا المقال)، إلا أن العلاقات التي خرجت للعلن الآن كانت زادت وتيرتها منذ سنوات، هي نفس عمر الربيع العربي. وعلى الجهة المقابلة فإن قطاعات متسعة من العرب لم تعد تقبل أن تبقى القضية الفلسطينية ذريعة لمصادرة مطالبها في العيش الكريم، على غرار ما فعلت الأنظمة القومية في الخمسينيات والستينيات.