مما لاحظته بعد غياب ثلاث سنوات ونصف ؛ احتفاء حميد بمرور مائة عام علي ثورة ١٩١٩؛أقول حميد لأنه يتفق مع مشروع فكرت فيه في السجن وهو إعادة صياغة الإدراك القومي لذاتنا من خلال تتبع أشكال مقاومات المصريين للسلطة علي مدار تاريخهم الممتد ،الذي يتخذ أشكالًا عديدة تنبه إليه عدد من الباحثين الاجتماعيين الذين توفروا علي دراسة أنماطها المتعددة.
جزء من هذا الاحتفاء الحميد هدفه استعادة بعضًا من حلم يناير في ظل انتكاساته،لذا فإن كتاب المستشار طارق البشري :”ثورة  ١٩١٩ في  تاريخ مصر المعاصر” ،الذي صدر عن دار الشروق ٢٠١٩ ،هو محاولة لتقديم دروس معاصرة سيستفيد منها “حلم التغيير ” الذي يزعم  كاتب هذه السطور أنه لايزال يعيش في الأفئدة؛فجوهر الربيع العربي- في موجتيه

https://www.alaraby.co.uk/opinion/في-سؤال-استمرارية-نموذج-الربيع-العربي-الانتفاضي
 -تطلع الشعوب العربية -خاصة الفئات الشابة منها- للحرية والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد، واحتجاج على الفساد وسوء توزيع الدخل.
أحد مميزات الكتاب العديدة أنه يتعامل مع حراك المصريين  في تاريخهم المعاصر -أي علي مدار القرنين الأخيرين -باعتباره عملًا ممتدًا يسلم بعضه بعضًا. فقد ثار المصريون في تاريخهم المعاصر خمس مرات : ١٧٩٨-١٨٠١ضد الحملة الفرنسية التي استمرت حتي تولية محمد علي الحكم ١٨٠٥، و١٨٨٢ضد الخديوي والإنجليز الذي استدعاهم الوالي لنصرته،وكانت ثورة ١٩١٩ التي قادها حزب الوفد بزعامة سعد زغلول؛تلك الثورة التي قطفت ثورة ١٩٥٢ثمارها في مسألة الاستقلال الوطني وجلاء الإنجليز ١٩٥٦ ،ثم كانت ثورة يناير ٢٠١١ التي أعلنت -من وجهة نظري -انتهاء صيغة دولة يوليو في الحكم ،وما انتجته من حركات سياسية وفكرية.
هذا النظر التاريخي الممتد يسمح لنا بتقويم الثورات من جهة تحقق أهدافها ،ف “يتعين أن نقدر دور الثورة لا بميزان التحقق الفعلي الأمثل للأهداف ولكن بميزان بقاء التمسك بالأهداف   والحقوق كاملة ، وبميزان المقاومة السياسية التي انفتحت أو تحققت وأمكن بها تقييد علاقات القوي في نظم الحكم ، ومدي ما تحقق وما لم يتحقق  مع بقاء التمسك بالأهداف كاملة”. ص٦٩
 كان جوهر هذه الثورات مطلبان :الديموقراطية والاستقلال الوطني،وأضافت ثورة يناير إليهما مطلبي العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية . لذا فإنه عندما يريد البشري أن  يتحدث عن  ثورة ١٩١٩ ،فإنه يتكلم عن اثار ممتدة علي مدي الزمان التالي حتي سنة ١٩٥٢عندما تغيرت خريطة التشكل السياسي برمتها. ويشير إلي  :”إن هذا التحقق [خروج الإنجليز من مصر ١٩٥٦]كان في اساسه وروحه قطف لثمار عمل سياسي وكفاح بدأ مع ١٩١٩ ٠٠٠”ص ص٩٣-٩٤ ويضيف :”وإن ايجابيات ثورة ١٩٥٢في عهد جمال عبد الناصر حتي وفاته ١٩٧٠إنما تبدأ بعد قطف تلك الثمرة التي جاءت نتاجا لزراعة وتعهد بالرعاية سابقة “ص٩٤- فماذا يمكن أن يقول اتباع ثورة يناير -إذن -عن آثار ثورتهم؟
ينتهي البشري في أحد خلاصاته حول ثورات مصر الأربع فيما عدا ثورة ١٩،إلي:”أن أي حركة شعبية تصل الي مشارف الحكم الثوري إنما يستجيب لها جهاز الدولة عند درجة ما من درجات التصاعد والشمول الشعبي ،ثم لا يلبث هذا الجهاز أن يمسك بسلطة الدولة عن طريق القوات المسلحة وهي العمود الفقري لهذا الجهاز” لكن لماذا ننتهي الي هذه النتيجة؟ هذا هو ما يدور عليه الكتاب.
تكوين التيار الاساسي
يتحدث المستشار البشري في كتابه عن مساهمة إعلان الإنجليز الحماية علي مصر ١٩١٤ ،أي مع الحرب العالمية الأولي ،في توحيد الفريقين اللذين توزع عليهما جهود المصريين أواخر القرن التاسع عشر وهما:مقاومة الاستبداد  الذي قاده حزب الأمة ،ومقاومة الاستعمار الذي قاده الحزب الوطني بزعامة مصطفي كامل.
فمنذ ١٩١٤ -اعلان الحماية علي مصر-اتحدت السلطتان الشرعية -التي كان يمثلها الخديوي-والفعلية-سلطة الإنجليز- اتحدتا في يد واحدة عبر عنها المندوب السامي البريطاني.
ومن هنا بزغ أول شعاع من شمس ثورة ١٩١٩ في مصر ،فقد صارت مهيأة لتشكل تيار اساسي جامع لمختلف تشكلاتها السياسية والاجتماعية ؛شريطة أن تتهيأ لذلك قيادة قادرة علي لم الشمل وإدراك جوانب التوافق التي يمكن أن تحافظ علي وجوه التجمع لهذا التيار الاساسي.
وهنا يحسن أن اؤكد علي أن التيار الأساسي ليس حاصل جمع أشياء متعددة ومتناقضة  ،وإنما هي بناء هيكل خطاب ومنظومة ممارسة تحدد العلاقات بين المكونات الرئيسة له ، وتستطيع أن تبني الارضيات المشتركة بين الفرقاء، ولا أتصور أن يتم ذلك دون امتلاك رؤية تحليلية عميقة :توصف القائم ،وترسم خرائط الفاعلين وطبيعة مصالحهم ،وتحكم(من الإحكام) بالخطاب والممارسة  تمثيل الفئات الاجتماعية المساندة لمشروعها ،مع ضرورة امتلاك افكار ملهمة قادرة علي الحشد والتعبئة الاجتماعية.
 وهنا  يمكن الحديث عن مقومات أربعة للتيار الاساسي الآن؛يمكن للجماعة الوطنية المصرية الحوار  حولها لاستجلاء مضامينها:
١-الحفاظ علي الدولة المصرية بتجديد أصولها واصلاح هياكلها ومؤسساتها ؛ وليس بإستعادتها ،لأن الاستعادة تعني  الارتكان  إلي صيغة تجاوزها الزمن ؛صيغة دولة يوليو ببعدها القمعي الذي نزع (بضم النون)منها البعد الاجتماعي فصارت تسلطية بطبعة نيوليبرالية.
٢-الديموقراطية ؛أي بناء نظام سياسي تعددي يتسم بالتشاركية inclusiveness  لا يقصي أحدا.
٣- العدالة الاجتماعية ؛أي العيش الكريم لجموع المواطنين وليس لفئات محدودة منها تفترس خيرات البلد.
٤-ولا يزال مطلب الاستقلال الوطني اساسيا؛لكنه يكتسب أبعادًا جديدة من المكونات الثلاثة السابقة ؛ فعلي سبيل المثال فإن الديموقراطية في أحد تجلياتها الأساسية هي حرية المواطنين في تحديد واختيار السياسات العامة التي تخدم مصالحهم وتعبر عن تطلعاتهم في مواجهة سياسات البنك والصندوق الدوليين ؛أي مفروضة عليهم.
٥-ويظل المشكل في خطابات الهوية (إسلامي/علماني)التي توزعت عليها النخب سنين عديدة ،والتي عجزت  عن ايجاد أرضيات مشتركة. وقد آن  الأوان أن يعاد طرح هذا الإشكال ليصير :مدي إسهام كل مرجعية فكرية في تقديم مضمون يحقق مقاصد المطالب الأربعة السابقة ويرفدها؛ مع قناعتي بإمكانية تقديم صياغات فكرية تتجاوز هذا الانقسام ولكنه عمل  فكري ثقافي ضروري للممارسة السياسية. بعبارة أخري؛ فإنه يجب الانتقال بخطابات الهوية من الجدل الفلسفي/الثقافي إلي مساحات الإجابة علي تحديات الدولة والمجتمع والفرد.
(يمكن الربط هنا بمقالي حول الاسلاميون والعلمانيون في مصر ..اعادة هندسة الاستقطابات لاني لم اجد الرابط علي موقعكم  )
وفي ختام هذه النقطة اتساءل: لماذا فشلت جهود تكوين هذا التيار الأساسي قبل يناير ، علي الرغم من تعدد أشكال التنسيق بين الفاعلين السياسيين (كفاية والجبهة الوطنية للتغيير ) واستخدام آلية الحوار بين بعض مكونات المجتمع السياسي (الحوار القومي الإسلامي)؟ -هل يرجع السبب لغياب الزعامة(لا أتصورها شخصًا ) القادرة علي صياغة المشترك كما فعل سعد زغلول  ورفاقه في ١٩؟ أم يعود إلي غياب ادراك أهمية التيار الأساسي ،وبالتالي فإن ما جري هو مجرد تنسيق بين فواعل  حافظت علي تمايزها؟ أم أن السبب هو شعبية الحركات الإسلامية مع عدم قدرتها علي تقديم مشروع وطني جامع للدولة والمجتمع؟
جهاز الدولة والثورة
ينتهي  البشري إلي عدد من السنن أو القواعد الاجتماعية / السياسية التي حكمت علاقة جهاز الدولة المصرية ؛ وفي القلب منه مؤسسة الجيش؛بالثورات.
ففي  ثورات أربع منها في العصر الحديث (ضد الحملة الفرنسية،و١٨٨٢،و١٩٥٢،و٢٠١١ ؛أي فيما عدا ثورة ١٩) يلاحظ :
١-أن جهاز الدولة المصرية كان دائما في قلب الثورات التي تحدث ، كان ينضم إلي الحراك الثوري الشعبي عندما يبلغ هذا الحراك الدرجة العالية في الصمود والشمول والانتشار ،ثم يسيطر جهاز الدولة علي الحكم فيطيح بالجماعة الحاكمة القديمة ويسيطر علي الدولة في الوضع الجديد.
٢-إن هذه الاستجابة ترجع الي أن جهاز الدولة في مصر إنما هو جهاز مكون تكوينا  مصريا  عاما  ،بغير أثر لانتماءات طائفية أو إقليمية أو نحو ذلك. فبسبب عدم وجود قبائل أو طوائف ذات إدارة ذاتية فهو يتشكل من عينة تلقائية من المصريين بصرف النظر عن أي اتجاه قبلي أو طائفي أو متعلق بجهة معينة.
٣-إن جهاز الدولة المدني الموزع علي العديد من الوزارات والمصالح والهيئات الإدارية ولا يخضع لقيادة مركزية مسيطرة واحدة ،هذا الجهاز  يتأثر بالثورة وينصاع إليها انصياع المواطنين الذين رشحت عليهم الثورة بحماسها من خلال الحراك الشعبي العام ،ولكن هذا الجهاز المدني لا يكون له من الضبط التنظيمي الواحد والمركز القيادي الواحد ما يجعله قادرًا علي السيطرة علي الدولة؛بغير حراك يصدر عن القوات المسلحة. بعبارة أخري فإن التعبير النظامي عن جهاز الدولة ينتهي إلي المؤسسة العسكرية ،والتي تجمع الدراسات الي أن لا يمكن إحداث التغيير  إذا ظلت  القوات المسلحة موالية للقوى الموجودة. بعبارة أخرى ، يمكن أن تؤدي الانتفاضات الشعبية إلى الانهيارات الاستبدادية فقط عندما تكف الجيوش عن الدفاع عن الوضع الراهن، ويمكن للطغيان أن يستمر لسنوات وعقود من الزمن عندما يستمر جهاز قسري ملتزم بالوضع الراهن.
٤-إن أي حركة ثورية شعبية قادرة مع سعتها وشمولها علي أن تخلخل النظام السياسي القائم ،ولكن إنهاء هذا النظام وحلول بديل عنه يتوقف علي التشكل التنظيمي البديل الذي سيحل محل النظام المتهاوي. فالثورة يمكن أن تقوم بها حركات شعبية  واسعة الانتشار وشاملة من حيث أثرها المزيح للنظام المتهاوي ،ولكن حلول نظام جديد محله يتوقف علي مدي قوة ونفوذ التنظيم المؤسسي الجديد الذي سيحل محله ، وإلا عاد النظام القديم بصورة أخري معدلة من الصور المتجددة.
لكن لماذا مثلت ثورة ١٩استثناء يؤكد قاعدة  وقوع الثورات في حجر جهاز الدولة الذي تمثله المؤسسة العسكرية ؟
الإجابة التي يقدمها البشري بالتفصيل يمكن تلخيصها في :أنه عند اندلاع الثورة  لم يكن الجيش -وقتها-في مصر بل في السودان تحت قيادة الإنجليز.
٥-إن السلطة ليست مجرد مقاعد في مجلس نيابي ،ولكنها أسلوب للسيطرة علي جهاز الدولة وهو جهاز عنيد مرتبط الأواصل وموصول الأسباب بالسلطة الشرعية وأيضا بالسلطة الفعلية. وهذا الجهاز هو ما يجمع المعلومات لرئاسته لتتخذ القرارات السياسية بناء عليها ، وهو الذي ينفذ القرارات التي تصدرها ويتوقف جزء كبير من نجاح التنفيذ أو فشله علي أسلوب التطبيق ، وأن القيادة الغريبة علي هذا الجهاز قد تصير في حصار منه من خلال سوق المعلومات وأسلوبه وتنفيذ القرارات ووسائله. فجهاز الدولة علي حد تعبير البشري :”كالقلعة من دخلها ولم يستطع السيطرة عليها سجنته ،فالداخل للقلعة إما مسيطر عليها وإما سجين”. ص٨٣
أسئلة عديدة تستحق المتابعة تدور حول طبيعة جهاز الدولة الآن : هل لا زال يتمتع بطبيعة لا طائفية أم أننا بتنا بإزاء نوع جديد من الطائفية المغلقة علي ذاتها ممتزجة بمستوي من التحلل ،بعبارة أخري هل تم تطييف (من الطائفة) أجهزة الحكم في مصر عن طريق تضييق التجنيد أي الدخول لمؤسسات الدولة الاساسية؟ وهل كان سقوط الثورات المصرية الحديثة في حجر جهاز الدولة قدرًا مقدورًا أم يمكن أن تقدم دراسات  الثورات المقارنة والفترات الانتقالية  http://assafirarabi.com/ar/34942/2020/12/18/من-دروس-الفترات-الانتقالية-في-منطقتنا/
خبرات أخري تدور حول قدرة المدنيين من خارج جهاز الدولة علي التوافق علي إدارة الفترات الانتقالية ،بالإضافة الي توفر الشروط الدولية والإقليمية المساندة؟ وهل يمكن أن تنجح صيغة الشراكة بين جهاز الدولة وبين تنظيم أهلي يتمتع بالجماهيرية والمساندة الشعبية  لاجتياز  تحديات الفترات الانتقالية التي لا تزال مصر تعيشها منذ ٢٠١١حتي الآن ،خاصة أن صيغة انفراد جهاز الدولة بالحكم قد ثبت فشلها في تاريخنا المعاصر ،بل أدت الي كوارث كان أقلها هزيمة  ١٩٦٧ التي لم يتم تجاوز بعض نتائجها الا بشراكة ولو محدودة مع المجتمع؟
 ضرورة التشكل التنظيمي
يكاد كتاب البشري يدور حول  أهمية  التشكل  التنظيمي لنجاح الثورة ،ومن ثم فهو يشير إلي أدواره وطبيعته ونوعية الزعامة التي تقوده.
للتنظيم مهمتان:
١-إن ‏أي حركة ثورية  شعبية قادرة مع سعتها وشمولها على أن  تخلخل النظام السياسي القائم، ولكن إنهاء هذا النظام وحلول بديل عنه يتوقفان على حجم  التشكل التنظيمي البديل الذي سيحل محل النظام المتهاوي. فالثورة يمكن أن تقوم بها حركات شعبية واسعة الانتشار وشاملة من حيث آثارها  المزيح  للنظام المتهاوي، ولكن حلول نظام جديد محله يتوقف على مدى قوة ونفوذ التنظيم المؤسسي الجديد الذي سيحل محله، وإلا عاد النظام القديم بصورة أخرى معدلة من الصور المتجددة.
٢-‏العمل السياسي لن يكون ذا أثر فعال  إلا من خلال التشكل التنظيمي المؤسسي  للقوة  السياسية الحاملة لهذا الأمر؛ فليس بالفكر  وحده ولا  بالرفض وحده ولا بالكراهية وحدها تستبدل  الأنظمة؛ لأن الدولة تكوين تنظيمي مؤسسي وهي لا تستبدل ولا يسيطر عليها سيطرة فعالة إلا من خلال تكوين تنظيمي مؤسسي.
ولكن ما طبيعة هذا التنظيم، ونوعية زعامته؟ يجيب البشري :
١-أقوي التنظيمات الأهلية هو ما ينشأ في احضان الحراك الثوري ويتكون من مادته ،فنشوء التنظيم من خلال العمل الثوري وحراكه ،وهذا التنظيم الجماعي يكون أكثر اتساعا وأكثر شعبية وأكثر تغلغلًا في أوساط الناشئ بينهم ،‏يكون كذلك إذا نشأ وانبني  من خلال حراك شعبي جماعي في مد ثوري واسع الانتشار.
٢-نجاح التشكل التنظيمي في قدرته علي التعبير عن مكونات التيار الأساسي في زمنه ،فالوفد في ثورة ١٩١٩ استطاع أن يجمع بين هدفي الاستقلال الوطني والديموقراطية في نسيج واحد. ولم يكن  حزبًا  بالمعني الشائع الآن ،وإنما كان أقرب للجبهة الوطنية التي تضم مكونات عدة.
٣-أما الزعامة التي مثلها سعد زغلول في ١٩١٩؛فقد كانت نمطا يجمع بين توجهات وطنية وديموقراطية ،بالإضافة إلي ما تمتع  به من سعة أفق وقدرة علي التجميع ،واتسع وجدانه لكي يشمل الشعب بأسره ، مع إحاطة  بالشأن السياسي والاجتماعي في ذات الوقت ، وكفاءة في إدارة المعارك السياسية كرجل دولة، وحسن تقدير لموازين القوي ، ولم تعوزه الكفاءة الإدارية في اختيار معاونيه وإدراك وجه صلاحية كل منهم فيما يعهد إليه من مهام،”كان سعد مهيجا وصاحب ميزان في ذات الوقت ، وكان مندفعا وايجابيا وصاحب تقدير وانضباط في ذات الوقت ، وكان زعيما ومديرا في ذات الوقت”ص٦٥
أما حزب الوفد الذي صار التجسيد التنظيمي للثورة ؛ فقد استطاع أن يجمع بين العمل البرلماني وبين العمل التنظيمي وسط الجماهير ،وبقدرة علي التظاهرات والإضرابات ،وجمع بين إمكانات العمل بين النخب من المهنيين وبين جماهير الشعب من عامة الناس.
قدمت لنا ثورة يناير خبرتان يجب التوقف أمامهما: الأولي  عجز في  بناء التنظيمات علي الرغم من نشوءها في مد ثوري (حزب الدستور مثالا) أو عقب الحملات الرئاسية (مصر القوية والتيار الشعبي مثلان)،والثانية خبرة الإخوان المسلمون https://www.aljazeera.net/opinions/2020/6/23/الإخوان-المسلمون-والمسألة
 التي تحول فيها التنظيم إلي هدف في حد ذاته ؛ أي أداة مقدسة مفارقة لأعضائه  والجماعة الوطنية ، وهو في نظري أحد أسباب سرعة تحطمه بعد ٢٠١٣ وضياع جهد نصف قرن في بنائه.
ثورات المصريين في الزمن المعاصر تعني :تيار اساسي يتم التعبير عنه بخطاب وممارسة ،تقوده زعامة ليست  شخصا مفردا ،قادر علي بناء تشكل تنظيمي ،له قدرة علي التعامل مع جهاز الدولة؛التي هي كالقلعة إن لم تحتلها حبستك.
Share: